للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الأول

حقوق الإنسان وتطور مفهومها

لكي نتجنب الإبهام في الحديث، لابد أن تتضح تعاريف كل مصطلح نطرحه، وهذا المعنى يتعمق أكثر عندما نتحدث بلغة قانونية، وبتأكيد أكثر عندما نريد أن يطبق على المستوى العالمي.

العلاقة بين المسألتين الفلسفية والاجتماعية:

والغريب حقا لمن يستعرض مفاهيم الإعلان العالمي ل حقوق الإنسان أنه يجد استعمالا لكثير من المصطلحات دون توضيح لحقيقة القصد فيها.

فما هو الحق؟ ومن هو الإنسان الذي نتحدث عنه؟

وما هي الحيثية الذاتية للإنسان؟

وما المقصود بالعائلة الإنسانية، والأُخوَّة، والتساوي، والعلاقات الودية، والروح الإنسانية ... وأمثال ذلك؟

ويتجلي لنا الإبهام أكثر عندما نلاحظ أن هذا الإعلان العالمي أريد أن يطرح بمنأى عن المسألة العقائدية، أو فليعبر (بالمسألة الفلسفية) أي موضوع تحديد الموقف من الكون والحياة والإنسان.

وذلك تأثرا بالاتجاه الرأسمالي الذي يطرح أفكاره الاجتماعية بعيدا عن المسألة الفلسفية، مدعيا أن لا علاقة بينهما، في حين إننا نعتقد أن العلاقة بينهما منطقية.

"إن الأيديولوجية مهما كانت، تستمد جذورها من الواقع فلا يعرف الإنسان ما ينبغي أن يكون إلا بعد أن يعرف ما هو كائن وما هي متطلبات الواقع.

ويتأكد هذا المعنى عندما نتصور الإنسان مثلا يعتقد بألوهية البارئ - جل وعلا - وبأنه تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وهو الإسلام ينظم كل جوانب الحياة، مثل هذا الإنسان لا يمتلك بعد هذا التصور إلا خيارين لا ثالث لهما: فإما أن يتبع الأيديولوجية الإسلامية ويصبغ كل سلوكه بها، أو يكفر بتصوره الماضي ويجحد به بعد أن تستيقنه نفسه.

نعم إذا امتلك الإنسان تصورا ماديا عن العالم فستكون أمامه أيديولوجيات بديلة وآلهة مختلفة، كلٌّ يجره إلي سبيله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} [الزمر: ٢٩] ، بل سوف لن يكون أمامه أي مبرر للاتجاه إلى أيديولوجية معينة (١) .

يقول المرحوم المفكر الشهيد مطهري: "إن الأيديولوجية تقوم بشكل أساس على نوعية التصور عن العالم.. إن الأيديولوجية هي من نوع الحكمة العلمية، والتصور هو من نوع الحكمة النظرية، وكل نوع من الحكمة العلمية مبني على نوع خاص من الحكمة النظرية (٢) .

ويقول الأستاذ الشهيد الصدر: "إن المسألة الاجتماعية للحياة تتصل بواقع الحياة، ولا تتبلور في شكل صحيح إلا إذا أقيمت على قاعدة مركزية تشرح الحياة وواقعها وحدودها، والنظام الرأسمالي يفقد هذه القاعدة فهو ينطوي على خداع وتضليل، أو على عجلة وقلة أناة، حين تجمد المسألة الواقعية للحياة وتدرس المسألة الاجتماعية منفصلة عنها ".

وعندما نعود إلى الإعلان العالمي ل حقوق الإنسان نجده يتناسى هذه المسألة تماما، رغم أنه يتحدث عن المصطلحات التي أشرنا إليها.

وسنعود إن شاء الله إلى هذا الموضوع في محله الخاص (٣) .

وعلى أي حال:

فينبغي أن نعرف أولا ما هو الحق؟ وما هو الإنسان؟ حتى نسير بشكل منطقي لمعرفة ما حدث من تطور في مجال حقوق الإنسان.


(١) نحو الدستور الإسلامي، للكاتب، ص ١٥.
(٢) الوحي والنبوة، للأستاذ الشهيد المطهري.
(٣) فلسفتنا، ص ١٨ - ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>