للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا النحو تضخمت ثرواتهم التي لم تكن في أصلها إلا مال المودعين. وكلما تضخمت ثرواتهم الخاصة من هذه المصادر استخدموها بالمثل في الإقراض بالربا بالإضافة إلى أموال الودائع، وكانت هذه الفئة طوال تاريخها موضع إزدراء الكافة، وكان تواجدها في الأحياء اليهودية المنعزلة عن المجتمع. ثم تطورت الصناعات بتطور المجتمع البشري واحتاج الناس إلى توسيع صناعاتهم وإنشاء صناعات جديدة، واتسع نطاق التبادل التجاري بين الدول والشعوب. وتطور بالمقابل نشاط هؤلاء الصيارفة وتجار النقود، فبعد أن كان النشاط المصرفي يقتصر على القروض الاستهلاكية تطور إلى القروض الإنتاجية، وبعد أن كان الربا محاربًا من الديانات السماوية أحلته الشرائع الوضعية. وتطور مركز الصيرفي فأصبح صاحب بنك له احترامه عند الكافة، ونشأت البنوك الحديثة في صورة شركات مساهمة رأس مالها يقدمه المؤسسون والمساهمون، ولكنه يكون رأس مال ضئيل، فليكن مثلاً عشرة ملايين.

إلا أن الودائع تنهال على البنك فيصبح رأس ماله مئات الملايين، وبالتالي تصبح مكانة كل بنك في العالم مقياسها هذه الودائع، وصارت البنوك تقدم لأصحاب هذه الودائع فوائد ضئيلة لإغرائهم بالإيداع، مصورين لهم أن الربح الضئيل الثابت خير لهم من المجازفة بتوظيف أموالهم في مشروعات قد تفشل وتهلك فيها أموالهم ويبؤون بالخسران، ثم يقرضون هذه الودائع بفوائد مرتفعة ويستغلون الفرق بين الفائدتين. هذا كان المصدر الأكبر للقوة المالية التي أحرزتها البنوك الحديثة، هذه القوة المالية التي انتزعت السيطرة الكاملة على اقتصاديات عالمنا المعاصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>