للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمحة تاريخية

١- لقد كانت العملة النقدية في التاريخ قوامها النقود الذهبية والفضية، وكان الأغنياء يحرصون على صيانة ذهبهم وفضتهم من السرقة والضياع، فكانوا يعهدون بحفظه إلى محترفي صياغة الذهب والفضة ليودعوه في خزائنهم ويسترد المودعون منه بقدر ما يحتاجون إليه في معاملاتهم، وكانوا يدفعون إلى الصيرفي أجرًا على حفظ هذه الودائع، وإذا أراد أحدهم الانتقال من بلد إلى آخر أو إلى دولة غير دولته كان لا ينوء بحمل الذهب والفضة وتعريضها للضياع أو السرقة، بل كان يأخذ من الصيرفي أمرًا إلى زميل له في البلد الآخر بتسليمه المبلغ المطلوب. وكانت الفئة الغالبة من محترفي صياغة الذهب والفضة وصيارفة الذهب وتجار النقود من اليهود الذين جبلت نفوسهم على حب المادة إلى الحد الذي قصه الله عنهم في كتابه

من انحدار بشريتهم إلى عبادة العجل الذي صنعوه بأيديهم من الذهب، وعبدوه من دون الله، كما جبلت نفوسهم على الزنا وأكل أموال الناس بالباطل والسحت إلى الحد الذي قالوا فيه {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: ٧٦] .

فكانوا يعطون كل من أودع عندهم ذهبًا أو فضة سندات لها قيمة وديعته من الذهب أو الفضة، ثم أخذ المودعون يتعاملون فيما بينهم بهذه السندات؛ لأن تداولها أخف من تداول الذهب والفضة، فإذا كنت قد أودعت مائة دينار ذهبًا عند الصيرفي وأردت أن أدفع لدائني هذا المبلغ فإنني أسلمه السند الممثل لهذه القيمة ليسترد هو المبلغ من الصيرفي، وهو بدوره قد يعطيه لدائنه سداد الدين عليه وهلم جرا. كل هذه العمليات أراحت المودعين في معاملاتهم من نقل الذهب أو الفضة من يد إلى أخرى.

ثم وجدت هذه الفئة من الصيارفة والتي أغلبها من إليهود، بأن هذه السندات الممثلة لقيمة ذهبية أو فضية، قلما يأتي حامل السند ليطلب قيمته النقدية، وبالتالي يبقى الذهب أو الفضة المودع في خزائنهم جاثمًا فيها مددًا طويلة، واتضح بالتجربة والممارسة بأن حامل السند لا يأتي ليستلم قيمته النقدية التي تسحب، إلا إذا كان محتاجًا إليه بصفة استثنائية، ومع ذلك فإن قيمة السندات النقدية التي تسحب لا يتجاوز عشر الذهب والفضة المودعين في خزائنهم، ومن هنا واتتهم الفكرة لماذا لا يستغلون هذه الكميات الهائلة من الذهب والفضة بالإقراض وبالفائدة التي يحددونها، بناء على ما يلمسون من حاجة المجتمع إليهم بغير حدود أو قيود تقدر الفائدة الربوية التي يفرضونها وبعد أخذ الضمانات الوثيقة منهم كفالة لسداد القروض عند حلول الأجل، وعند سداد هذه القروض وفائدتها المرتفعة يستغلونها مرة أخرى في الإقراض الربوي، وهكذا دواليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>