ولقد ثبت في ماضي الإنسانية وحاضرها بأنها لم تثبت أقدامها على مبادئ العدل الإلهي المطلق بين أبناء النفس الواحدة، بل سادها الظلم والاستعباد والقهر وحب الامتلاك والغلبة، وحل التناكر محل التعارف والاستعباد محل الحرية، والظلم والتعسف والاستغلال محل العدل والمساواة، والأثرة والأنانية محل الإيثار والجشع، والظلم والعدوان محل البر والتقوى، وتخلى المسلمون عن مضامين الإسلام وتحلوا بأضدادها واحتفظوا بأسمائهم وانتسابهم إليه وأوهموا من لا يفهم الإسلام بأن ما هم عليه هو الإسلام، فكانت الكارثة الكبرى، وكان الخروج من دين الله أفواجًا، وساد العلاقات الدولية الظلم والاستبعاد إذ اشتغلت هي بتنظيم العلاقات. فلا بد إذن من هداية السماء لتنظيم التعارف الحقيقي والعلاقات العادلة بين البشر، وتهدي للتي هي أقوم، وخاتمة رسالات السماء، وآخر لبنة في صرح الرسالات الإلهية بأصولها الخالدة التي تنظم قواعد العلاقات الإنسانية بين الآحاد والجماعات والدول، بأصولها العامة النظرية التي تستطيع - والإعجاز يتوجها - علاج الوقائع والمشكلات المتطورة طوال مراحل عصور البشرية، وعلى اختلاف بيئاتها الاجتماعية والحضارية وخصائصها الذاتية، وتقيم العدل المطلق بين الناس جميعًا، وتحقق الإلخاء بينهم وتصون وتحمي دماءهم وأعراضهم وأموالهم وعقولهم. ومن هنا يتعاظم الواجب على علماء الإسلام، الذين يجب أن يكون لهم حظ وافر وإدراك واسع وفكر حر في علوم الشريعة الإسلامية. وخاصة ما تشير إليه نصوص آيات وأحاديث العلاقات الإنسانية والدولية، حتى تتحقق حكمة الوجود ويسود العدل، ويظهر إعجاز الشريعة الخالدة بيقين، ويدخل الناس في دين الله أفواجًا.