فلم يزد على أن قال:((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) . ووقف وحيدًا يدعو إلى توحيد الله وإلى تحرير العبيد والمستضعفين. وجعل الدين المعاملة والنصيحة. وأعلن تحريم الربا والمفاضلة التي تؤدي إلى الظلم والاستغلال. وجاء برسالته الإنسانية العالمية الخالدة التي تتصدع من عظمتها القدسية الجبال الراسية قال تعالى:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: ٢١] .
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بمبادئها وتوجيهاتها وأحكامها تحمل الصبغة الإنسانية العالمية؛ هداية للناس ورحمة وداعية إلى صراط الحق المستقيم. ولم تكن تشريعًا لجنس دون جنس ولا لاقليم معين من الأرض، بل جاءت تشريعًا عامًا للإنسان من حيث هو إنسان أبيض أسود، عربي أو عجمي، في الشرق أو في الغرب، فلا عنصرية ولا عصبية في شريعة من خلق الإنسانية جمعاء من نفس واحدة. ولو كان واضعها فردا أو فئة من الناس لتعصبت بوعي أو بلا وعي لجنسها أو وطنها أو طبقتها أو مصالحها، ولكن الشارع هو رب الناس ملك الناس آله الناس وهم جميعًا عباده فليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، ولا فضل لفرد منهم على آخر، ولا لقوة على أخرى بحكم الخلق والنشأة الأولى، والمصير إلى حساب الخالق جل جلاله.