للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - وللفقراء ومن لحق بهم في الحاجة نصيب من أموال الأغنياء عن طريق الزكوات: قال الله عز وجل: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:١٩] .

هذه تهم ما يجب على أغنياء كل بلد تجاه فقرائه، فهم ملزمون بحكم هذا النص أن يسدوا خلاتهم، كما اتفق على أن أمير المؤمنين عمر قال عام الرمادة: إن دام الجدب فسأدخل على أهل كل بيت قدر عددهم ممن ليس لديهم قوت، ليكتفوا بوجبة واحدة، فإن الناس لا يهلكون بنصف بطونهم، وقد قال في تقسيمه للأموال قولته المشهورة: "إنما هو حقهم أعطاه الله لهم، وأنا أسعد بأدائه إليهم منهم بأخذهم له ".

ثم واعد الله بأشد الوعيد أولئك الذين يكنزون الأموال دون تحريك عجلة الاقتصاد، ودون المساهمة في سد خلات المحتاجين فقال: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: ٣٤ - ٣٥] ، وبعد أن تم تحديد التحملات العامة للمال، ألزم مالكه بأداء حقوق أخرى لم تترك لحريته فقال: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:٢٤ - ٢٥] ، وذهب التشريع الإسلامي بهذا المبدأ بعيدًا، فقال نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام: ((والله لا يشم رائحة الجنة من بات شبعانًا وجاره جائع)) ، وأوجب على الموسر نفقات درجات من الأقارب، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع بالزائد عن الحاجة في السفر إلى من لا شيء عنده، فقال: ((من له فضل من زاد فليرجع به على من لا زاد له، ومن له فضل من ظهر فليرجع به على من لا ظهر له)) (١) ، وأخذ يعدد حتى ظن الصحابة أنه ليس للإنسان من ماله إلا ما يكفيه.

وقال عبد الله بن عمر في شرح الحديث الشريف: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)) قال: من ترك أخاه المسلم يجوع ويعرى وهو قادر على إطعامه وكسوته فقد ظلمه. وحال المسلم هنا، تطبق على المقيمين بين ظهراني المسلمين، لأن وضعيتهم منظمة تحت أحكام أهل الذمة أو المعاهدين، إذن فتركهم من قبل المسلم يجوعون وهم معه ظلم أيضًا، وهذا أكبر دليل على مراعاة الشريعة لمختلف حقوق الإنسان.


(١) رواه مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>