للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستوي في هذا الحق قريبهم وبعيدهم، فلقد دخلت زوجة عمر بن عبد العزيز عليه وهو يبكي بعد توليته، فتساءلت عن السبب؟ فقال ما ملخصه: إني توليت هذا الأمر وأصبحت مسؤولًا عن كل فرد محتاج لشيء. أفلا يوضح هذا أخذ الإسلام بواجب رعاية الدولة لكل مواطنيها، والمقيمين بعهد فوق أرضها، وينفي كل مخاصمة بينه مع حقوق الإنسان كما يدعي العلمانيون الذين أخذت توجههم الصهيونية إلى حمل الكراهية للإسلام، خروجًا على أحكام البيان العالمي الذي يتباهون بأحكامه، فرعاية الإسلام لجميع أجناس البشر في كل مجال من مجالات حياتهم يثبت أن الإسلام هو واضع اللبنة الأولى لأسس حقوق الإنسان، وتتبع أقوال كبراء فقهاء الإسلام يثبت هذا المبدأ، ومن ذلك ما قاله ابن حزم في المحلى بقوله: "وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم، فيقام لهم بالقوت والملبس والمسكن الضروري" (١) .

وهذا مبني على الحديث الشريف ((في المال حق سوى الزكاة)) ، والذي يسير في أحكام قول الله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذرايات:١٩] لم يقيدها بشرط لون ولا عقيدة ولا سن ولا جنس.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني)) (٢) وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف، وينه عن المنكر)) (٣) ، وكان النبي صلى الله عليه إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: ((اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)) . (٤)

وفي الحديث الشريف: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) (٥) .

إن رعاية الإمام تشمل واجبه في صد العدو، وتوفير المأكل والملبس والمسكن والتطبيب، حسب إمكانيات الدولة، وعلى أي حال، فليس في الإسلام نص يمكن أن يحمل على عدم قيام الدولة لرعايتها بهذه الحقوق.

قال سيد قطب ملخصًا سياسة المال في الإسلام ما نصه: "لقد جعل الإسلام حق المال هو الزكاة، وهو ما يقاتل عليه الإمام الناس إن امتنعوا عنه، وما يفرضه عليهم بحق التشريع، وبقدر معين معلوم، ثم جعل للإمام الحق في أن يأخذ بعد الزكاة ما يمنع به الضرر، ويرفع به الحرج ويصون به المصلحة لحماية المسلمين، وهو حق كحق الزكاة عند الحاجة إليه، موكول إلى مصلحة الأمة وعدالة الإمام وقواعد النظام الإسلامي العام" (٦) .


(١) الإسلام، سعيد حوى، يكتب بالحرف الواحد عن المحلى.
(٢) رواه البخاري.
(٣) رواه الترمذي.
(٤) أخرجه الخمسة.
(٥) أخرجه البخاري ومسلم.
(٦) العدالة الاجتماعية في الإسلام، ص ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>