للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تفسير القرطبي للآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:٣٤ -٣٥] .

أشار إلى أن الباطل الذي كان الأحبار والرهبان يأكلون أموال الناس بالباطل، يأخذون الضرائب والتبرعات من أتباعهم باسم الكنائس والبيع، ثم يدخرونها لأنفسهم، وقصة سلمان الفارسي مع الراهب الذي استخرج كنزه، أكبر دليل على ذلك الباطل الذي حرمه الإسلام.

وبعد استعراض الطبري للخلاف حول المال الذي أديت زكاته، هل يدخل في الاكتناز أم لا؟ نخلص من الموضوع بقوله:

إن خلافًا حصل بين معاوية وهو والٍ على الشام مع أبي ذر لأنه تشدد في الأوجه التي يسمح لولي الأمر في أن يأخذ فيها شيئًا غير الزكاة، فلما قدم على المدينة وجد كثيرًا من المضايقات بسبب خلافه مع معاوية على تلك الفتوى، فاستشار سيدنا عثمان فأشار عليه بالانزواء بالربذة.

قال القرطبي: إن سبب ذلك هو استمرار الجدب وفراغ خزينة المسلمين، فنهوا في مثل تلك الحالة عن إمساك شيء من الأموال زائد عن الحاجة للمسغبة التي حلت بالمسلمين، ولا يجوز ادخار الذهب والفضة في ذلك الوقت.

ويستنتج من هذا، مدى ما وصلت إليه حرية الرأي بين الصحابة، ثم خلافهم في المسائل الظنية بحسب أدوات التفسير التي استخدمها كل واحد منهم بحسب قناعته من أدلته.

وبما أن بحثنا هذا لا يمكن أن يشمل أحكام كل مسألة، فسنكتفي بهذا مبينين أن العدالة المالية التي أتت بها الشريعة، ليست محل مجال للمقارنة مع أية نظرية مالية وضعية، لما اشتملت عليه من نصوص واجتهادات لا يمكن أن يقدر على استيعابها أي تشريع خارج عن التوجيه الإسلامي.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>