للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يثير الدهشة، أن بعض المسلمين أصبح يتخيل اليوم أن من بين الأسباب التي حالت بين الإسلام وبين المصالحة مع حقوق الإنسان هو: الرجوع إلى الاصطدام بعقبة التكفير والاتهام بـ الردة، ثم يرى في مكان آخر أن ما يسميه بعض السياسيين الإسلام السياسي من بين تلك الأسباب أيضًا.

هذه أفكار وردت في تساؤلات الأستاذ سليم اللغماني في الندوة السابقة، ثم يجيب اللغماني نفسه في كثير من التحليل والسرد الذي تملص صاحبه من عهدته من خلال قول ما يريد في إطار تساؤلات، ويخرج من ذلك بقوله: "إن المسألة عملية وليست علمية، وينبغي النظر إليها من هذه الزاوية " (١) ، ثم ينهي كلامه بقوله: "إن خطابه موضوعي "ويمكن القول: "أن نعتبره متشائمًا لا لصعوبة التوفيق بين الإسلام وحقوق الإنسان، بل لصعوبة الإقناع بخطاب يوفق بين الإسلام وحقوق الإنسان ".

هذا شطط كبير في الحكم على الإسلام، إن الإسلام ليست بينه خصومة مع حقوق الإنسان، إذ يعتبر هو مرجعها الأول، وأكثر التشريعات دفاعًا عنها، إلا أن الإسلام ينظم حقوق كائن ليس بهيمة سائمة، فلو أن الكاتب عزى الخلاف إلى الإسلام وبعض التشريعات الوضعية، لكان لكلامه ما يبرره، إذ لا ضير في ذلك، فيمكن لأي تشريع ألا يلتزم بمبادئ الإسلام وأن يحمل نشوزًا عن تعاليمه فذاك شأن أهله، ولو أن الكاتب عمم حكمه على الديانات السماوية كلها، لكان هذا تحيزًا للعلمانية، لكن أن يخص الإسلام بدعوى الخصومة مع حقوق الإنسان، فهو موقف لابد أن يكون منطلقًا من خلفيات كلها تخالف ما أسموه بالمبادئ التي نص عليها البيان العالمي الذي يدعون أنه يحترم حرية العقيدة لأي فرد من أفراد البشرية، والإسلام اختيار ما يناهز مليارًا ونصف من أبناء هذه البشرية، ثم هم ينادون بنبذ الكراهية، وهي نفسها التي يمارسون ضد الإسلام، ولو أنهم تعمقوا في النصوص الإسلامية وما خولته من حقوق للإنسان، أو لو أنهم عقدوا مع علماء الإسلام ندوات للحوار من أجل إبراز هذه الحقوق، لتغيرت نظرة أبريائهم الجاهلين لكثير من تلك الأحكام، ورغم ما طرح من ملاحظات في تلك الندوة حول غياب البعد التاريخي في معالجة القضية، وتحكم رجال الدين والقراء، إلى درجة أشبهت دور رجال الكنيسة، حتى أصبح رجال الدين مرجعًا سياسيًّا يقول الجنحاني: ثم جعل المعتزلة منارة مضيئة في تاريخ الفكر الإسلامي، لكن لما كثر جدالهم تحولوا إلى منارة مظلمة لما تغير سلوكهم.. ثم ينهي كلامه بقوله: "يمكن الحل في فصل السياسة عن الدين، وليس فصل الدولة عن الدين "، هذه دعوة لويس الرابع عشر تتجدد اليوم على لسان أحد أبناء الدول الإسلامية، ولابد للمسلمين من رفضها والوقوف في وجه أصحابها قبل أن يستفحل أمرها.

نحن هنا لسنا بصدد فتح حوار سياسي أو ثقافي حول هذه الأفكار التي أصبحت تروج داخل مرفق من مرافق الجامعة العربية، التي يجب أن تكون مرفقًا من مرافق تلميع الإشعاع الإسلامي والدفاع عنه، وقد غيبت نفسها عن هذا الدور قبل الموقف الذي صدر آخر شهر سبتمبر ٢٠٠١م على لسان أمينها العام الحالي الدكتور عمرو موسى في رده على سخافات رئيس الحكومة الإيطالية حول الحضارتين العربية والغربية.

لذا فإن كل هذه التوجهات والملاحظات والتطلعات، والانتهاكات التي تتابعت من كل مراكز قوة هذا العصر، سواء أيام الحرب الباردة أم في هاته الفترة، بسبب المستجدات التي نتجت عن يوم ١١ سبتمبر ٢٠٠١م، تجعل عقد مؤتمر ل حقوق الإنسان في الإسلام وإخراج بيان عالمي لهذا الغرض أمر في غاية الأهمية في نظرنا، والله الموفق للصواب.

حمداتي شبيهنا ماء العينين.


(١) المجلة العربية لحقوق الإنسان، ص ١٩، عدد (٧) ، إصدار المعهد العربي لحقوق الإنسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>