للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - حقوق الإنسان بين الخصوصية والكونية

إن النظر في هذه التساؤلات، يسوقنا حتمًا إلى إبداء الملاحظات التالية:

- إن مثل هذه المواضيع كثيرًا ما تطرح بشكل نضالي يغلب فيه التنظير الأيديولوجي والتحزب السياسي الضيق، وهذا من شأنه أن يضفي على المواقف صبغة الانفعالات العاطفية والتوترات العصبية التي لا تجدي نفعًا في مثل هذه القضايا المصيرية، والتي يتوقف عليها مصير العالم بأسره.

- إن كثيرًا ممن يرفعون شعار كونية الحقوق، يعتقدون أنها لا تخضع لأي استثناء أو خصوصية معينة، مهما كانت طبيعتها، سواء أكانت ثقافية أو اقتصادية أو لغوية أو سياسية أو دينية، بحيث يرى هذا الفريق أن حقوق الإنسان متماثلة في كل مكان وزمان لا مجال فيها للاختلاف، تبعًا لوحدة الجوهر الإنساني.

- يتشبث الفريق المقابل بموقفه الرافض، ويرى أن الكونية المنسوبة ل حقوق الإنسان، هي محض افتراء وذريعة إلى الهيمنة والاعتداء، والتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب والحكومات، وبسط النفوذ الاقتصادي والثقافي، ولقد كان للفلسفة السياسية التي ظهرت في أوروبا في القرن الثامن عشر، وترجمها إعلان حقوق الإنسان إثر الثورة الفرنسية (سنة ١٧٨٩م) ، أثرها البعيد فيما تمخض عنها من نظام عالمي جديد في السنوات الأخيرة.

- نزعة ثالثة تتوسط النظرتين المتناقضتين، غرضها التوفيق بين الموقفين المتقابلين، على اعتبار أن الكونية لا تنفي الخصوصيات، وأنه يمكن الجمع بينهما. واستمدت موقفها هذا من الإعلان النهائي الصادر عن مؤتمر فيينا (١) حول حقوق الإنسان ونص على أن حقوق الإنسان كلية وشاملة وغير قابلة للتجزئة، وهذه هي صفة العالمية فيها. ولذا يجب على المجتمع الدولي أن يتعامل مع قضايا حقوق الإنسان على نحو شامل ومتكافئ وعادل، مهما اختلفت الألوان والأجناس وتباينت الثقافات، إلا أن هذه الشمولية في النظرة إلى حقوق الإنسان وإعطائها أبعادها الإنسانية الكونية، لا تلغي الخصوصيات الوطنية والإقليمية القائمة على أساس الهوية الثقافية أو الدينية أو التاريخية.

* * *


(١) كان ذلك بتاريخ ١٤ إلى ٢٥ جوان ١٩٩٥م.

<<  <  ج: ص:  >  >>