للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - حقوق الإنسان في الإسلام

١ - الحقوق الأساسية

إن من الحقوق الأساسية - التي ادعت الأمم الديمقراطية المتقدمة إنشاءها وإعلانها - حق الحرية وحق المساواة بين كل الناس دون فصل أو تمييز، فالإنكليز يعتبرون أنفسهم أعرق شعوب العالم في مجال الحقوق والحريات، وزاحمهم الفرنسيون في اعتبار أن التشريعات الخاصة ب حقوق الإنسان إنما انبثقت عن الثورة الفرنسية، وأنكر عليهما الاتحاد السوفييتي (سابقًا) ذلك، واعتبر أن الديمقراطية الحقيقية هي التي جسمها النظام الاشتراكي الماركسي عندما أسند السلطة للطبقة الكادحة (البروليتاريا) .

والحق الذي لا يجادل فيه منصف عادل، أن الإسلام هو أقدم التشريعات الباقية التي قررت منذ قرون خلت حقوق الإنسان في أكمل صورتها وأوسع نطاقها ومجالها، وانتهج الإسلام في صياغة هذه الحقوق وتوظيفها نهجًا قويمًا حكيمًا يرتكز على أسس تربوية تستند إلى نصوص تشريعية من خلال الكتاب والسنة، فقد بادر صاحب الرسالة وحامل الأمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بدء البعثة إلى تعليم أصحابه وتربيتهم وتهيئتهم نفسيًّا وعقليًّا وتوجيههم توجيهًا سلوكيًّا سويًّا، لتقبل الدعوة الجديدة وتحمل أعباء القيام بها وإعلانها بين الناس، والتربية النفسية والعقلية والسلوكية السليمة الصحيحة شرط ضروري ولازم لتهيئة التربة الصالحة التي نريد أن نبذر فيها بذور الحق والواجب، حتى ينشأ في الأجيال المتعاقبة الوعي الكامل بمستلزمات الحياة البشرية من حرية وكرامة ومساواة وعدالة، وحتى يجنبوا خطر الانحراف بما يعنيه من أشكال التهتك والتسيب وضعف الوازع الذاتي واضمحلال الضمير الفردي والاجتماعي واندثار القيم والمبادئ، فتنقلب الحياة البشرية إلى جحيم من المعاناة والعذاب، قال تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: ٦٥] ، وقال سبحانه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: ١٦] . فكان من حكمة الإسلام أن وضع الأسس الثابتة وبنى القواعد المتينة حتى يسلم البناء الاجتماعي من التصدع بصلاح أفراده، ولقد كانت الفترة المكية زمن البعثة، والتي تواصلت زهاء ثلاثة عشرة سنة، قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، موجهة توجيهًا كليًّا إلى التربية العقدية والتأصيل الإيماني والتهذيب النفسي والعقلي والأخلاقي، وفق أسلوب من التدرج يراعي الخاصيات التي تتطلبها كل مرحلة من مراحل الدعوة إلى الدين الجديد، ثم تلت هذه الفترة الهامة، مرحلة التشريع للمجتمع الجديد الناشئ وفق ضوابط أخلاقية وسلوكية، ميزتها الشمولية لكل جوانب الحياة الفردية والجماعية، وقاعدتها المساواة بين كل الناس دون التفرقة بينهم لدواع جنسية أو عرقية أو لغوية، وميزانها العدل في ترتيب الحقوق والواجبات على حسب ما تحتمله الطاقة البشرية من غير إسراف ولا تقصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>