للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج - حق المساواة والعدالة:

لطالما عانت الإنسانية عبر تاريخها الطويل من ويلات الغبن والحرمان من أبسط الحقوق الضامنة للحد الأدنى من الكرامة البشرية، ومن هذه المآسي استعباد الإنسان لأخيه الإنسان وامتلاك ناصية حياته بغير حق، لم يمنعه من ذلك بريق الحضارات التي قامت منذ تاريخ بعيد، كحضارة اليونان وفارس وروما، والتي أضفت شرعية ظالمة على ما آلت إليه حياة البشر من التدني والانحطاط وسوء المنقلب.

ولما أشرقت أنوار الإسلام على هذه الدياجير، تبدت للإنسانية سوءاتها، وتاقت الأنفس المضطهدة إلى العيش في ظل عدالة الدين الجديد، الذي يعود إلى آدم عليه السلام، فقال عليه الصلاة والسلام: ((كلكم من آدم وآدم من تراب)) (١) ، وقال أيضًا: ((والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) (٢) .

وقد جاءت التشريعات الإسلامية معتبرة لهذا الحق الأصلي في المساواة بين جميع الناس أمام القانون، لا مجال للحظوة الخاصة ولا لدواعي القربى، ولا للعصبية العرقية أو الدينية، قال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام:١٥٢] ، ولا ما من شأنه أن يمس حقوق الناس بغير وجه حق مما يخالف مقتضيات العدالة التي تضمنتها شريعة الإسلام، قال جل شأنه: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:٥٨] .

إن هذه المبادئ الإنسانية العامة، تعد قواعد أساسية، لا غنى عنها لكل تشريع يتناول حقوق الأفراد والجماعات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولسنا نقصد من خلال هذا البحث الوجيز التعرض إلى كل هذه الجوانب التي تناولتها التشريعات والبحوث المستفيضة، وإنما سنأتي على بيان الوجه الاجتماعي لهذه الحقوق، لما لهذا الجانب من الأهمية القصوى، متناولين الحقوق الأسرية التي تنبني عليها مجموع العلاقات بين أفراد العائلة، مع الوقوف على أهم القضايا المطروحة اليوم في مجال التشريعات المتصلة بحقوق المرأة والطفل والعناية بالشيخوخة، دون التغاضي عما أصبح اليوم يعد هاجسًا قويًّا واهتمامًا أولويًّا في مخططات الدول وبرامجها من أجل تهيئة محيط سليم وبيئة ملائمة لحياة اجتماعية طبيعية صحية.

* * *


(١) رواه أحمد في مسنده: ٣/٣٦٧.
(٢) رواه أحمد ومسلم والنسائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>