للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الحقوق الأساسية المسداة إلى الطفل:

- الحق في الرعاية الحسنة والتنشئة الصالحة:

إن الطفل، منذ لحظة تكونه جنينا في بطن أمه، فولادته، إلى أن يشب ويشتد عوده ويغدو قادرا على القيام بنفسه، هو أمانة بين يدي أبويه أو من هو في كفالته. وفي كل هذه المراحل، وضع الإسلام من التشريعات والقواعد ما يحقق الرعاية الكاملة التامة بما يضمن التنشئة الروحية والجسدية المتوازنة التي تعده ليكون رجلا صالحا لأمته ووطنه. وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن المولود طينة طيعة لزجة، يعركها أبواه إن خيرًا فخير وإن شرا فشر فقال: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) (١) . ولقد بلغ اهتمام الإسلام بالطفل مبلغا عظيمًا، من ذلك عنايته باختيار التسمية الحسنة التي يعدها من شروط التربية الحسنة، وفي الحديث: ((أحسنوا أسماءكم)) (٢) . وأثبت علماء النفس في زماننا، ما لإطلاق الاسم على المواليد من تأثيرات نفسية إيجابية أو سلبية، بحسب حسن الاختيار أو إساءته. وحظي الطفل في التشريعات الإسلامية بحظوة لا نظير لها، تترجم عن مدى ما يوليه ديننا الحنيف من أهمية بلغت ذروتها، حينما وجه عنايته إلى كل الجوانب المتصلة من قريب أو بعيد بحياة الطفل، سواء منها النفسية أو الروحية أو العقلية، بتحميل الأبوين مسؤولية حضانته وتربيته ورعايته رعاية صحية متكاملة، وتعليمه وتنشئته على مكارم الأخلاق، دون التغاضي عن الجوانب الجسدية واحتياجات الطفل في ملبسه ومضجعه وغذائه ووقايته من الأمراض، حتى يكتمل نمو الطفل في إطار محكم متوازن، بعيدًا عن العقد والعلات النفسية والجسدية.

ولقد أولى المجتمع الدولي في أواخر القرن المنصرم، اهتمامًا بالغًا بالتشريعات الموجهة إلى الطفل، من أجل حمايته مما يمكن أن يلحقه من أشكال الامتهان النفسي والجسمي، التي قد تدفعه إلى التشرد والضياع عند فقدان السند، وأصدرت الهيئات العالمية المختصة المواثيق والعهود التي من شأنها أن تضمن للطفل أسباب النمو الطبيعي السليم، وتحميه من كل مزالق الانحراف والزيغ.

ولم يغفل المشرع التونسي عن إيلاء الطفولة أهمية قصوى، تشريعًا وتطبيقًا، وإحاطة وتربية وعناية، لتكون هذه السياسة المتبعة علامة مضيئة في تاريخ تونس الحديث. وتعد تونس كذلك، من الدول التي سبقت إلى المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل. وقد أصدرت مجلة مختصة، هي مجلة حماية الطفل التونسي، لتكون مكسبًا لحقوق الطفل في بلادنا. (٣)

ومن أبرز المبادئ الواردة بهذه المجلة (والتي احتوت على تسعة عشر فصلًا) :

- اعتبار مصالح الطفل الفضلى في كل الإجراءات والقرارات التي تتخذ تطبيقًا لأحكام المجلة وفق ما يضبطه الفصل الرابع من المجلة.

- إيلاء أهمية قصوى لمسئوولية الوالدين وتشريكهما بصفة فعالة في كل مراحل التدخل التي قررتها المجلة في فصولها ٧ - ٨ - ٩.

- احترام آراء الطفل، وتشريكه وجوبًا في كل التدابير الاجتماعية والفضائية التي تتخذ لفائدته، كما ضبط ذلك الفصل ٩ - ١٠ من المجلة.

- حق الطفل الذي تعلقت به تهمة، في معاملة ملائمة لوضعه، تضمن كرامته وشرفه. كما أوصى المشرع بتغليب التدابير الوقائية والتربوية على غيرها من التدابير الزجرية، تيسيرًا لإعادة إدماجه اجتماعيًّا (٤) .


(١) رواه البخاري في كتاب الجنائز
(٢) رواه أبو داود والدارمي.
(٣) بمناسبة إصدار مجلة حماية الطفل التونسية يوم ٩ نوفمبر ١٩٩٥، أبرز رئيس الجمهورية التونسية قيمة هذا الحدث، مبينًا في خطابه الذي ألقاه بهذه المناسبة، ما لتكريس حقوق الطفل على أرض الواقع من حفاظ على متانة الروابط العائلية وتماسك الأسرة، وتخفيف من وقع المتغيرات السلبية الناتجة عن مظاهر التفكك العائلي، وعن الآفات الاجتماعية كالانحراف والجريمة والبطالة والإخفاق المدرسي، بمعالجة العوامل المؤدية إلى هذه الظواهر والحد من انعكاساتها السلبية على الصحة النفسية للطفولة والشباب وعلى توازن الأسرة والمجتمع.
(٤) انظر الفصل (١٢) والفصل (١٣) من مجلة حماية الطفل التونسي وما بعدهما. وهي فصول تنص في مجملها على احترام الطفل في نفسيته وجسده ومعالجة انحرافه بالطرق الوقائية التربوية، وإعادة إدماجه في المجتمع، دون الحاجة إلى العقوبات الزجرية الردعية التي قد تنهك الطفل وتلحقه بصنف المجرمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>