للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الأول

التشريع الجنائي الإسلامي

أولًا - لمحة تاريخية عن التشريع الجنائي:

منذ فجر التاريخ عاش الإنسان حياة اجتماعية نبعت عنها ضرورة تنظيم علاقاته بإرساء قواعد لها طبيعية الإلزام وواجب الاحترام للتحكم في غرائز العدوان ونوازع الفجور: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:٧ - ٨] ولم يخل مجتمع - مهما كانت درجة تخلفه أو تقدمه أو انحطاطه أو رقيه - من نوع ما من هذه القواعد التي قد تكون مرجعيتها تشريعًا سماويًّا يوحيه الباري جل وعلا على رسله وأنبيائه لإقامة العدل ونصب ميزان الاستقامة: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد:٢٥] .

وقد تكون مرجعيتها أعرافًا وتقاليد، وقد تكون نتيجة حكمة الحكماء ونظريات الفلاسفة كقوانين حمورابي والنظم والقوانين الرومانية التي تعتبر أساسًا للقوانين الأوروبية الحديثة.

ومن فضل الله تعالى على هذه الأمة الإسلامية التي تلقت الشريعة الخاتمة أن حباها بنظام شامل كامل عام في أصوله دقيق في فروعه وتفاصيله، فنظم الحياة الإنسانية أروع تنظيم، ورتبها على أحسن نسق، فكفلت الحقوق وحددت الواجبات فقامت العدالة على سوقها فمدت أطنابها وضرب الحق بجرانه.

ومن أهم هذه النظم التشريع الجنائي الذي كفل حياة آمنة، حماية ووقاية؛ حماية للمجتمع من شر الإجرام، ووقاية له من الجريمة، وإصلاحًا للمجرم نفسه، فكانت العقوبات في كل نوع من الجرائم متناسبة مع آثار الجريمة على المجتمع، ومتوازنة مع درجة الضرر اللاحق بالفرد والجماعة في تسلسل رائع وسلم متدرج ونظام لا يحيف ولا يطغى، جاءت الشريعة متسعة في آفاقها ومفاهيمها، واضحة في إعلانها، مستقرة في ثبوت نصوصها، مستمرة ومتطورة في مقاصدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>