للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر الثاني

حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية

منحت الشريعة الإسلامية للإنسان حقوقًا، انطلاقًا من تكريمها له من ذلك:

أولًا - الإسلام وكرامة الإنسان:

تناول الإعلان العالمي ل حقوق الإنسان في مقدمته التأكيد على الاعتراف بكرامة الإنسان، وهذا المبدأ تناوله القرآن الكريم وسبقه الإعلان عنه قبل هذا، فالله أكرم الإنسان بنعم لا تحصى وفضائل لا تعد وفضله على كثير من المخلوقات تفضيلًا، فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:٧٠] .

ومن مظاهر الرعاية والتكريم لهذا الإنسان أن خالقه أحسن صورته فقال تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [التغابن:٣] .

ثم توالى التكريم لهذا الإنسان وتجلى في صور متعددة منها عدم إهانته أو تحقيره أو السخرية منه أو تنابذه بألقاب ممقوتة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:١١] .

وقد أخرج الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) .

وعلى ضوء هذه الثوابت فإن الإسلام أعز الإنسان وأكرمه وطالبه بأن يكون مرفوع الرأس لا ينحني لأحد غير الله جل وعلا، ولا يعبد غيره ولا يشرك به أحدًا، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣] .

كما أن الله تعالى جعل العبادة مقصورة عليه وحده فلا عبودية (١) إلا لله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥] .

وأكد جل وعلا على أن وظيفة الإنسان الأٍساسية العبادة فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] .

وهكذا نجد ترسيخ القرآن الكريم لتكريم الإنسان قبل أربعة عشر قرنًا من صدور الإعلان العالمي الذي يؤكد في مادته الأولى أن جميع الناس يولدون أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق. (٢)


(١) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، العلامة عبد الرحمن بن سعدي، ص ٤٠، مؤسسة الرسالة، سنة ١٤٢١هـ.
(٢) انظر: القانون الدولي وحقوق الإنسان، د. وحيد رأفت، ص ١٣، سنة ١٩٧٧م - القاهرة؛ أركان حقوق الإنسان، صبحي المحمصاني، ص ٤٠، دار العلم للملايين - بيروت، سنة ١٩٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>