للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: الإسلام ومبدأ المساواة وعدم التميز:

جاءت ثمار ترسيخ حقوق الإنسان في الإعلان العالمي ومبادئ القانون الإنساني بعد حروب دامية مدمرة خاضها العالم، مورست فيها أبشع الجرائم وأخطر القرارات، الأمر الذي حدا بالمصلحين الخائفين على انهيار المجتمعات الإنسانية إلى إعلان تلك المبادئ وتبنيها في الهيئات والمنظمات الدولية (١) مع أن بعض هذه الهيئات واللجان المنادية ب حقوق الإنسان تنتهك حرمات وإنسانية الإنسان، وتكيل بمكيالين، وتحتضن الدعوة ل حقوق الإنسان إذا كان ثمة تحقيق لمصالحها، أما إذا تعارضت مع مصالحها فإنها تقف ضدها وتستخدم حق النقض، والأمثلة كثيرة والمتناقضات في هذا العالم ترى العجب العجاب، فهذه إسرائيل وهذا الانتهاك الصارخ والسافر لحقوق الشعب الفلسطيني المسلم، فأين حقوق الإنسان في النظم الغربية؟

إن تعاليم الشرع الحنيف ومبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية جاءت لتأصيل وتأكيد كرامة الإنسان وعدم التميز، وأن أكرم الناس عند الله جل وعلا أتقاهم، انطلاقًا من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: ١٣] .

وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع التي اتخذها المسلمون دستورًا وهدى ونبراسًا يسيرون عليه من بعده صلى الله عليه وسلم ما جمعه فيها من أسس الدين الإسلامي ومبدئية المساواة (٢) وعدم التميز، حيث قال عليه الصلاة والسلام: ((أيها الناس إن ربكم واحد، وأباكم واحد، وكلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر، ولا لأبيض على أسود فضل إلا بالتقوى)) .

وهكذا نجد أن المقياس الذي وضعه الإسلام للتفاضل بين البشر هو حسن علاقتهم بالله، وهذا ما عرفه القرآن بالتقوى، ومن هنا فمن مبدأ المساواة في الإسلام التمتع بالحقوق والتكاليف بالواجبات، فالإنسان خليفة الله في أرضه أكرمه بتلك الخلافة (٣) .


(١) انظر: حقوق الإنسان والتميز العنصري، د. خياط، دار السلام- القاهرة، سنة ١٤٠٩ هـ
(٢) الإسلام وبناء المجتمع الفاضل، أستاذنا يوسف عبد الهادي الشال، ص ٣١٠، المكتبة العصرية، سنة ١٣٩٢هـ.
(٣) انظر: نشوء الفكر السياسي الإسلامي خلال صحيفة المدينة، خالد الحميدي، ص ٥٩، دار الفكر اللبناني، سنة ١٩٩٤م.

<<  <  ج: ص:  >  >>