للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أضف إلى ذا وذاك امتصاص العملة الصعبة إذا ما قدر لها الدخول بكميات ضئيلة إلى الشعوب النامية والفقيرة بأساليب رهيبة، منها بخس أثمان منتوجات هذه الشعوب، والتحيل عليها من عدم الحصول على العملة الصعبة بخلق الفتن بين شعوبها وزعزعة الأمن في شئونها الداخلية، وبالتالي تصدير الأسلحة إلى هذه الشعوب التي لم تكن بحاجتها، وبالتالي تتم المقايضة غير المتكافئة.

وهناك أساليب تكبل اليوم الكثير من شعوب العالم الثالث لا يجيدها إلا أقطاب الاقتصاد العالمي ومصاصو دماء الشعوب ... إلخ. ولقد أطلت نفس القلم في صلب هذا البحث، ونوهت في مقدمته إلى تحكيم العلاقات الإنسانية بين الأمم والشعوب إن لم تحكم شريعة السماء الخالدة.

هذه المسألة بحاجة ماسة إلى التأصيل والتحليل والتعمق في البحث، لقناعتنا في أن موضوع تغير العملة وبيان حكم الشريعة الإسلامية لا يمكن أن يكون بمعزل عما يؤثر في انخفاض سعر العملات، وأن آثار الأحكام المترتبة على تغيير العملة بالكامل وإحلال عملة أخرى محلها، أو تغير سعرها زيادة أو نقصانًا، وإن لم تغير عين العملة ذاتها إلى عملة أخرى.

إنما يعبر في حقيقة الأمر على عظمة قدرة الشريعة الإسلامية على مواجهة كل جديد، واتساعها لمقتضيات كل عصر، وتلبيتها لحاجاته على الوجه الأرشد والأكمل، والذي يكمن في تبصر توجيهاتها، وتدبر حكمها وأسرارها، وفهم دقيق لمقاصدها وأهدافها. ولا عجب في ذلك إذ أن الشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع الإلهية التي أنعم الله بها على الإنسان. ولا يتصور مؤمن بكمال علم الله وحكمته ورحمته وبره بخلقه، أن الله تعالى يغلق باب النبوة دونهم ويقطع وحيه عنهم، ثم يتعبدهم بشريعة قاصرة تصلح لقوم ولا تصلح لآخرين، وتصلح لزمان ولا تصلح لآخر، بل كانت أحكامها الكلية وقواعدها الأصولية تستطيع بكل يسر وسهولة وقوة أن تشيد للإنسانية بنيانًا يقوم على أساس ثابت من العدل الشامل، ومن الحق المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد.

وإن تدبر توجيهاتها، وسبر أغوارها، وفهم أسرارها ومقاصدها، والغوص في أعماق لججها لاستخراج لآلئها وأصدافها النورانية البهية من شأنه أن يصقل مواهب وعقول المجتهدين من جهابذة العلماء العاملين، وينور بصائرهم بأشعة جلال أنوارها، ويلاقي بين ينابيع خواطرهم ومعين أفكارهم، ويعبر عنهم بعقل مجمعهم، ويبلور بين المفاهيم والأسرار التي تجيش بها نفحات خواطرهم ذات المعين الإلهي الفياض، والرحمة الإلهية الخاتمة التي لا تنضب. وإن الفهم الدقيق والصحيح لمبادئ الإسلام العامة وقواعده الكلية، هو الأساس الفكري والدعامة الأساسية لفكرة الاجتهاد والتجديد والعودة بأمتنا الإسلامية إلى حقائق الشريعة الإسلامية المقدمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>