للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبادئ التي انبنت عليها حقوق الإنسان

أرسل الله رسله، وحملهم - سبحانه - رسالته من أجل مصلحة الإنسان؛ ذلك لأن رحمة الخالق جل وعلا شاءت ألا تترك هذا المخلوق سادراً في غيه، فأبت عليه رأفة المولى إلا أن يكون إنساناً حقيقيًّا راقيًّا ليس كسائر المخلوقات الدنيا، بل ليرتقي في الخلق والقيم.

١- الكرامة الإنسانية: وهذه هي أولى المبادئ التي ينبني عليها حق الإنسان في الإسلام، حقه في الحياة الراقية البعيدة عن الحيوانية والتدني في الطبع والسلوك. فتغليظ العقوبة في الزنا - خاصة للمحصن - ليس قسوة من الرحمن الرحيم، بل زجراً للمرء من اقتراف تلك الأفعال المشينة التي تهبط بآدميته. ومن هنا كان السعي إلى تقنين هذه الممارسة (الجنس) بالصور المشروعة المنظمة فقط. فيقول تعالى: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: ٦٨] .

ويقول عن المؤمنات: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} [الممتحنة: ١٢] .

ويحذر: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: ٣٢] .

٢- حق الإنسان في التوبة، والتطهر من الدنس: هذا الحق الذي يسلبه الإنسان في الأنظمة التشريعية الأخرى. إذ جاء مجرم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب إنزال عقوبة الرجم فيه، فصرف وجهه صلى الله عليه وسلم عنه لا يريد السماع منه، لأنه عمل جرى في السر ولم يخرق به النظام العام، ولا اعتدى فيه على الآداب العامة، وإن مثل ذلك متروك إلى المجرم نفسه ليستغفر الله فيما بينه وبين ربه. ولكن المجرم عاد مرة ثانية يجدد الاعتراف بالجريمة ويطلب إنزال العقوبة به لتكون التوبة أدل على الإخلاص فيها إلى الله وعلى عدم التمكن من العودة إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة، فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه عنه مرة ثانية، ثم عاد مرة ثالثة فصرف وجهه مرة ثالثة: ثم عاد مرة رابعة فسأله: ((أبك جنون؟ أو لعلك قبلت؟ أو غمزت، أو لمست؟)) قال: لا. وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقنه التراجع عن الاعتراف بالانصراف عن سماعه أولاً، وبالتشكيك في الفعل ثانياً، ولكنه أصر على طلب العقوبة فلم يجد عندئذ بدًّا من الأمر بإيقاعها فيه بناء على إصراره على الاعتراف، ولقد ندم بعد بدء تلقي العقوبة فهرب، فتبعه المأمورون بإنفاذ العقوبة حتى قتلوه، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة: ((هلا تركتموه فيتوب أو يتوب الله عليه)) (١) .


(١) رواه البخاري (باب الحدود) ، ص ٢٨؛ والإمام أحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>