للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- فالإنسان في نظر القرآن: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤] و {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء: ٧٠] . من أجل ذلك حرم الإسلام الانتحار واعتبره جريمة عظمى في حق الإنسان، بدليل خطورة العقاب الأخروي وباعتبار أن روحه ليست ملكاً له، لأنها ليست من صنعه، وإنما هي ملك لبارئها وخالقها، وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي: "ونفس المكلف داخله تحت هذا الحق - أي حق الله تعالى - إذ لا يجوز له أن يعتدي على نفسه بالإتلاف" (١) .

٤- وهذا يفضي إلى مبدأ آخر من المبادئ التي يرتكز عليها حق الإنسان في الإسلام وهو مبدأ اتحاد عنصري الحق والواجب وتلازمهما، فالاعتقاد بثبوت هذه الحقوق الأساسية يكون أولاً بالشرع والتكليف.

٥- فالحق في الحياة: وهو حفظ النفس - من الحقوق الأساسية المقررة في الشرع الإسلامي، وتعني عصمة الشخصية الإنسانية في عناصرها المادية، وهي سلامة الجسم بجميع أعضائه من الإتلاف، والمعنوية أي الكرامة والأفكار الذهنية والمعتقدات وغيرها، وقد اعتبر الإسلام حياة الإنساني المقصد الأول الذي ترجع إليه سائر المقاصد الأساسية بعد المحافظة على الدين لتوقفها جميعاً على الإنسان وحفظ نفسه في أعلى مراتب التكليف. واعتبر بالتالي إزهاق النفس عمداً وعدواناً أعظم جريمة في الكون، لا بالنسبة للمعتدى عليه أو ذويه فحسب، بل بالنسبة للإنسانية كلها، وقرر القرآن أن جريمة القتل دون حق هي بمثابة قتل الناس جميعاً، وإحياؤها في حكم إحياء الناس جميعاً.

يقول تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] .

ومن هنا كان حق الحياة حقًّا وواجباً في آن واحد، لارتباطه بالتكليف والأمانة التي حملها الإنسان لعمارة الدنيا واستخلاف الله في الأرض، وتطبيقاً لسننه في الكون.

حرم الإسلام على الإنسان الاعتداء على نفسه أو إزهاقها أو السماح لغيره بشيء من ذلك، اللهم إلا إذا كان ذلك لتحقيق قصد شرعي، كجهاد العدو، أو المحافظة على حياة، كبتر عضو مريض يتوقع منه السريان لبقية البدن، والتعرض لخطر محقق.

٧- يقول تعالى في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩] .

{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: ٣٣] .

{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] .

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ - أي يطعن بها نفسه - بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدًا)) .


(١) كتاب الموافقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>