وإن الهدف من هذا البحث المتواضع هو إيضاح حكم الشريعة الإسلامية في العملة الورقية والنقدية في هذا العصر الذي سيطرت فيه على جميع مجالات نشاطها، وبالتالي تغلغل الربا بكل أنواعه وبكل شروره وآثامه في كل مجال منها، وكيف تظهر هذه العملية، وتطورها تطورًا ينأى بها عن كل الانحرافات، وبالمقابل فإن النهوض برسالة المجمع لا يتم إلا بالتعبير عن المشاكل التي تحس بها أمتنا الإسلامية، والتي تراها أيضًا بالنسبة لأي قضية إسلامية، وخاصة في مجال العدالة العالمية والاجتماعية التي لا تحمل جنسية غير جنسية الإنسانية، ولا حدود على الأرض التي يعيش فيها الإنسان، والتي هي الغاية من اجتهاد العلماء في بيان حكم الله الذي هو عين العدل؛ لأننا نعلم بأن العملة ليست غاية في حد ذاتها لبيان حكم الشرع، بل هي وسيلة لقضاء حاجات الإنسان، أما الغاية من بيان حكم الله فيها من حرمة وحلال وصحة وبطلان، إنما هو تحقيق العدل بين الناس في هذه العملة والتعامل بها بين الناس، والعدل الحقيقي إنما يعرف من أحكام الله العادلة بين العباد. وهذه القاعدة من أجل القواعد التي تعطي الصورة العالمية للمجمع والشمولية لشريعة الإسلام والخلود لمبادئه العادلة التي يحلم بها عالم البشرية اليوم، والتي تجنى منها ثمار العقول اليانعة والأفهام المستنيرة بنور الكتاب والسنة.
وأن أساس القضية ومناط الإشكال في الشق الآخر من الموضوع المطروح: تغير قيمة العملة، والذي تدخل تحته من الصور والمستجدات مالا يمكن حصره. ولكن تصويرنا وحكمنا على بعضها حكم منا على بعضها الآخر، إلحاقًا لها في تحقيق المناط، فنقول وبالله نستعين:
١- من المعلوم بأن الثمن في البيع ركن، ومعرفة قدره وصفته شرط لصحة البيع، أما إذا ذكر في عقد البيع قدر الثمن دون صفته، فإنه ينصرف في عرف الفقهاء إلى الغالب من نقد البلد الذي تم فيها العقد؛ لأنه المتعارف عليه عند الإطلاق، ويكون في عرف الفقهاء من أفراد ترك الحقيقة بدلالة العرف القولي، فإن كان في البلد الذي تم فيه العقد نقود غيرها من جنسها واستوت في المالية، لكن بعضها يتداوله الناس في معاملاتهم بصورة أكثر من البعض الآخر، فينصرف إلى النقد الذي يكون أكثر انتشارًا في معاملات الناس. أما إن استوت في تداول الناس وفي معاملاتهم واتفقت في المالية، فإن المشتري يخير؛ لأن الجنس والقيمة متحدان، وإن استوت في التداول واختلفت في المالية، كما إذا باع شيئًا بثلاثة دنانير دون أن يوضح نوعها يمني أو كويتي، فإن البيع يفسد للاختلاف في المالية، ولكن إذا كان التعاقد بالدينار في الكويت مثلاً، فإن العرف ينطلق على الدينار الكويتي، وإن كان التعاقد بالدينار باليمن فإن العرف ينطلق على الدينار اليمني.