للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧- أما موضوع الحجاب فهو قد يبدو انتقاصاً من حق المرأة عند البعض الذي يرى أن من الحق للمرأة ارتداء ما تبغي، ونقول: إن هذا الأمر متعلق بأمرين:

أولاً: (تحريم العري) على كل من الرجال والنساء.

ثانياً: (فرض الحشمة والحياء) في الظهور بين الناس على كلا الجنسين حماية للأخلاق العامة. وهذا ما ميز الإنسان عن الحيوان باصطناع اللباس حماية لهيبته.. ولذا كان ستر العورة أول خطوات الإنسان المتحضر تمييزاً لنفسه عن الحيوانية المتوحشة.

وقد أقر الإسلام هذه المفاهيم الحضارية، حيث ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: ٢٦] .

ومن ثم حدد محل العورة للرجل والمرأة، والحدود الدنيا في لباسهما في الصلاة والمعيشة اليومية. (١)

فليس من الإنسانية في شيء أن تعرض المرأة جسدها - ولو بإرادتها - وتختزل نفسها من إنسان خلقه الله وكرمه، إلى جسد يقضي فيه الشهوانيون وطرهم. وليت شعري لهذا قمة الاستعباد والاسترقاق.

١٨ - والقرآن الكريم يجعل للمرأة حق المشاركة وإبداء الرأي في رضاع ابنها وفطامه وتربيته: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: ٢٣٣] .

والسنة تجعل للأم رأياً في زواج بناتها: ((آمروا النساء في بناتكم)) تجعل الرأي الأخير للبنت نفسها: ((البكر تستأذن وإذنها صمتها، والثيب أحق بنفسها)) (٢) .

هذا بالإضافة إلى مظاهر الاستقلالية الاقتصادية التي تتمتع بها المرأة في التشريع الإسلامي.

٢٠- ولو انتقلنا إلى القانون المدني الفرنسي (قانون نابليون) في الفصل (٢٧١) وجدناه يقرر: أن المرأة المتزوجة لا يجوز لها أن تهب ولا تنقل ملكيتها، ولا أن ترهن، ولا أن تملك بعوض أو بغيره بدون اشتراك زوجها في العقد، وموافقته عليه موافقة كتابية.

وهذا مما يدل على أن المرأة افتقدت أهليتها وشخصيتها واستقلاليتها حتى في أكثر التشريعات تقدماً، بل وفقدت في العرف الجاري اسمها ونسبها العائلي الخاص، وصارت من متعلقات زوجها! فيما ظل التاريخ يذكر لنا عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر وغيرهما من أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، مع اقترانهن بخير الناس.

٢٠- بل يرى البلاذري في (فتوح البلدان) أن الشفاء العدوية كانت كاتبة في الجاهلية، وكانت تعلم الفتيات، وأن حفصة بنت عمر تعلمت منها القراءة والكتابة، قبل زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلما تزوجها طلب إلى الشفاء أن تتابع تعليمها وتثقيفها وأن تعلمها تحسين الخط وتزيينه كما علمتها الكتابة.

* * *


(١) وراجع أيضاً: (روح الدين الإسلامي) ، لعفيف عبد الفتاح طبارة.
(٢) أبو داود والنسائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>