على الرغم من أن ورقتي هذه ستسير في نفس الاتجاه الذي سارت عليه الأبحاث السابقة في إظهار سبق وفضل الإسلام شريعة ورسالة، وفضل العلماء المسلمين تحليلاً وتنظيراً لـ حقوق الإنسان مع اختلاف - ولو قليلاً - في المنهج، إلا أننى مضطر لأن أبدأ هذه الورقة بالملاحظات التالية:
أولاً: هل مسألة حقوق الإنسان من الأمور الدينية التي تنطلق من أرضية عقدية تكسبها صفة القداسة لتكون بعد ذلك من صميم الدين الذي لا يمكن الاستهانة به؟ أم أنها أمر فطري طبيعي لا علاقة له بالدين إذ أنه يتعلق بالإنسان من حيث كونه بشر بغض النظر عن العرق واللون والدين وأية قيود أخرى محتملة؟ إن هذا التساؤل ضروري جداً عند البحث في قضية حقوق الإنسان في الإسلام، ذلك أن الإقرار بأن هذا الأمر ذو طبيعة دينية يقتضي البحث عنه في إطار الأديان والشرائع الأخرى كالمسيحية واليهودية، وهو ما لم أعثر عليه شخصيًّا خاصة بالمقارنة مع ما كتب عن الموضوع في إطار الفكر الإسلامي، فالفكر الغربي تعامل مع هذه القضية في إطار معالجة التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ألمت بالمجتمع الغربي خلال فترات التاريخ المختلفة ولم ينظر إليها قط على أنها مسألة ذات علاقة بالدين، وليس أدل على ذلك "من أن الكنيسة المسيحية كانت حتى عهد البابا يوحنا ٢٣ في القرن الماضي تدين فكرة حقوق الإنسان وتصفها بـ العلمانية، وتلصق بها الكثير من الصفات السلبية. ولم تجد حقوق الإنسان طريقاً إلى الفاتيكان إلا في ١١ إبريل عام ١٩٦٣ عندما أصدر الفاتيكان المنشور البابوي باسم السلام في الأرض "(١) .
وهذا الأمر يقودنا حتماً إلى السؤال المهم الذي تحتوي الملاحظة الثانية.
(١) د. مراد هوفمان، الإسلام في الألفية الثالثة، مكتبة الشروق، ص ٩٢.