ثانياً: ما هي مرجعية المناداة بـ حقوق الإنسان، أي ما هو منطلق الإعلانات والمواثيق الدولية لـ حقوق الإنسان؟ أهي مرجعية تعود إلى الإنسان ذاته بغض النظر عن الظروف التي تحيط به، وفي هذا الإطار نقول: إذا كان ذلك صحيحاً فلماذا التركيز على الحقوق دون بيان الواجبات؟ هل من المعقول أن نتحدث عن الحقوق دون أن نذكر الواجبات؟ وهل يمكن أن تنفصل الأولى عن الثانية؟ إننا إذا أهملنا الحديث عن الواجبات فإننا سنترك الإنسان ذاته يعيث في الأرض فساداً، يدمر حقوقه وحقوق الآخرين دون مراعاة لأي قيود اجتماعية أو عقدية أو سياسية، والأمر واضح تماماً فيما يقوم به الإنسان المعاصر من أبحاث علمية تؤدي إلى تدمير الكون وفناء الإنسان الذي نطالب بحقوقه وندبج الإعلانات والمواثيق لتأكيدها.
إن هذه النقطة بالذات تضعنا في مفترق طرق بين نظرة الإسلام للإنسان ونظرة المجتمعات غير الإسلامية له، فالإسلام اهتم بالإنسان مخلوقاً كرمه الله على سائر المخلوقات، وأسند له وظيفة من أشرف الوظائف بل هي أعظمها ألا وهي الخلافة في الأرض، هذه الخلافة التي تقتضي أن عليه واجبات يؤديها وله حقوق لا تتحقق الخلافة إلا بها، وهذه في مقابل تلك وكل خلل في واحدة ينال الثانية بنفس القدر، وهكذا يسير الإنسان في تناغم بين حقوقه وواجباته دون أن يكون بحاجة إلى أعراف أو قوانين وضعية تنظم حياته.