ثالثاً: السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إذا كانت الأديان - وفي مقدمتها الإسلام - قد تكفلت ببيان حقوق الإنسان وواجباته؛ فلماذا هذه المواثيق والإعلانات المختلفة التي تنادي بـ حقوق الإنسان؟ ما الذي يحرك هذه القضية ويجعلها في تصاعد مستمر على كافة المستويات الثقافية والسياسية والاجتماعية؟
ليس هناك مبرر معقول لهذا إلا وجود شعور قوي وقديم بأن الإنسان قد عانى ظلماً قويًّا من أطراف اجتماعية مختلفة حرمته من التمتع بحقوقه، وبالتالي حرمته من أداء وظيفته على هذه الأرض، ولسنا نعدم شواهد لهذا الظلم في المجتمعات كلها إسلامية أو غير إسلامية، إذاً خلفية البحث في حقوق الإنسان ليست كامنة في الاهتمام بالإنسان ذاته - كما هو الحال في الإسلام - وإنما هي في انحراف في مسيرة البشرية في التعامل مع الإنسان أدى إلى أن تنتهك حقوقه سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا بصورة لم يعد معها قادراً على أداء وظائفه، بل أصبح في كثير من الأحيان عاجزاً حتى عن المطالبة بحقوقه الطبيعية التي أكدت عليها جميع الأديان السماوية.
ولعل عالمنا العربي والإسلامي قد ناله نصيب وافر من هذه الانتهاكات لـ حقوق الإنسان بفعل عوامل مختلفة أهمها:
أ- ضعف الوازع الديني عند شرائح مختلفة في المجتمع الإسلامي.
ب- تخلف المستوى الثقافي لهذه المجتمعات بفعل ما خلفه الاستعمار من موروثات كان لها الأثر الكبير في تشكيل هذه المجتمعات وتطورها.
ج - انعدام الاستقرار السياسي في المجتمعات الإسلامية بفعل الصراع المستمر والمدمر على السلطة، والذي كان الإنسان المسلم الهدف الأول له.
لقد وجد الإعلام الغربي في هذا الواقع الإسلامي مرتعاً خصباً للقول بانعدام حقوق الإنسان في العالم الإسلامي، ومن ثم ضرورة التدخل في هذه المجتمعات لصالح تأكيد حقوق الإنسان لتتحول القضية بعدها من مسألة إنسانية في ظاهرها إلى مسألة سياسية تستهدف إبقاء هذه المجتمعات تحت ضغط الحكومات الغربية واتهاماتها المستمرة، يقول عالم الإنثربولوجيا الكيني علي المزروعي:"يوجه دائماً النقد للمسلمين، لأنهم لم يقوموا بأفضل الإنجازات، لكن نادراً ما يسجل لهم أحد أنهم منعوا حدوث الأفظع في بلادهم. فلن تجد عندهم أبداً القتل المنظم للشعوب كما حدث في أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا، ولن تجد ما يشبه الرعب والإرهاب الستلايني، واقتلاع ملايين البشر من جذورهم تحت مسمى الخطة الجنسية، كما أن المسلمين لا يتحملون مسؤولية وجود نماذج للتفرقة العنصرية كالتي شهدتها جنوب أفريقيا من قبل الهولنديين بمباركة وموافقة كنيستهم الإصلاحية. ولا تجد شبيهاً أبداً للعنصرية اليابانية العنيفة التي شهدتها آسيا قبل عام ١٩٤٥، ولا الثقافة العنصرية التي مارسها البيض ضد الزنوج في الجنوب الأمريكي بما تضمنه من قتل وإبادة وعنف وشنق دون محاكمة". (١)
(١) د. مراد هوفمان، الإسلام في الألفية الثالثة، مكتبة الشروق، ص ٩٤.