والقول هنا بدفع ما يعدل ذلك بالسعر الذي كان يوم البيع أو العقد - أي وقت الثبوت في الذمة - قول مخالف لما تم عليه التعاقد صراحة، وكل ما أدى إلى إبطال العقد الشرعي الصحيح فهو باطل، ولا يقف الحد عند بطلان ذلك العقد من حيث عدم احترام صيغة العقد ذاته، بل لأنه يؤدي إلى جهالة الثمن؛ لأن ذلك الثمن الذي قد يحسب بحسب صرف قيمة العملة التي اشتمل عليها العقد وقت الأداء لم يكن مذكورًا في العقد. وبالتالي يؤدي ذلك إلى النزاع المستمر، والشريعة الإسلامية يلاحظ في أحكامها قطع النزاع وسد أي ذريعة تؤدي إلى إثارة النزاع في معاملاتهم، وترك من عليه التعاقد وجهل الثمن وعدم ثبات العملة في عالم اليوم كفيلٌ بما يؤدي إلى النزاع والخلاف، ومن هنا شدد الفقهاء عند وضعهم شروط معرفة قدره وصفته كل ذلك؛ مخافة النزاع، فكيف يتجاهل المجتهد كل تلك الأركان والشروط التي يجب توافرها لصحة العقد، ويجتهد في معرفة حكم سعر تلك العملة في السوق، والتي هي خارجة عن نطاق العقد وأركانه وشروطه.
نعم نقول: إن رضي عن الحق فيما اشتمل عليه العقد صراحة فلا مانع، كما لو انقطع التعامل بالدينار بأن حلت محله عملة أخرى، مثلاً بدل الدينار جنيه يمني، فإن الحكم في هذه الحالة يختلف، إذ ليس لصاحب الحق إلا بما يعدل القيمة المالية للدينار بحسب الصرف من أي من العملة بين الناس، وبالسعر السائد بالسوق وقت الأداء، إذ ليس لصاحب الحق إلا أخذ المسمى في العقد أو مثله برضاه، ولكن إذا لم يوجد المسمى في العقد بسبب فساد العملة وانقطاعها، فليس لصاحب الحق إلا المثيل.