لا يختلف اثنان في أن آيات القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة هي الإطار النظري لـ حقوق الإنسان في الإسلام؛ إذ هي الدين المعبر عن الشرعة الصحيحة التي أرادها الله للإنسان، وهي تنطلق من احترام الإنسان ذاته دون نظر إلى ظروف ألمت به، فالقرآن أعطى للإنسان تكريماً يفوق التصور، ذلك أن الله اختاره ليكون خليفة في الأرض:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة:٣٠] . وعلى الرغم من اعتراض الملائكة على إسناد هذا الدور الخطير إلى الإنسان {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}[البقرة:٣٠] ، فإن الله سبحانه وتعالى أكد هذا الدور وضرورته لاستمرار الحياة حيث قال:{إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة:٣٠] ، ولعل مقتضيات الخلافة قد اقتضت أن ينال الإنسان تكريماً آخر تمثل في أمر الملائكة بالسجود للإنسان حيث قال: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:٧١ - ٧٢] . وتعضد هذا التكريم بقوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: ٧٠] .
هذه النظرة الإلهية للإنسان وهذه المهمة العظيمة التي أسندت إليه رتبت أن ينال الإنسان كل ما يسندها ويوقي من شأنها لكي تتأكد واقعاً عملياً على الأرض، ولذلك يقول الله تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين: ٤] . ويقول:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}[الجاثية: ١٣] . فالتكريم الإلهي إذًا تعضد بتسخير الكون كله له ليتحقق الإعمار الذي أراده الله للحياة البشرية، وهذا يقتضي أن يوجد الإنسان منظومة من القواعد التي تحقق الاحترام الدائم لكافة أفراد الجنس البشري دون تدخل عوامل خارجية في ذلك، إذ التكريم والاحترام فطري وطبيعي لا يسلبه من الإنسان إلا طغيانه وتمرده على شرعة الله حين ينسى دوره في هذه الأرض ويتحول إلى حيوان يهدد الآخرين ويسلبهم ما منحهم الله من التكريم والاحترام، وهذا يقودنا بالطبع إلى أن نقرر أن حقوق الإنسان في الإسلام أصيلة في خلقته، وأن البحث فيها لا يكون إلا في إطار ما يوجده الإنسان من عوائق تهدد هذه الحقوق وتحاول أن تسلبها منه بدوافع مختلفة، فالحرية صفة فطرية لدى الإنسان لا تتحقق له الحياة بدونها، وهي مصدر كل تقدم وازدهار للحياة البشرية، ولا تسقط هذه الصفة إلا حين يتنكر الإنسان لحريات الآخرين ويعتدي عليها وبذلك يقع الخلل في الحياة البشرية، ولعل التاريخ يخبرنا بأن أكثر المجتمعات تمتعاً بالحرية أكثرها تقدمًّا ورقيًّا حضاريًّا، وكلما انتكست الحرية في مجتمع كلما تردت الحياة فيه وصارت أقرب إلى الحيوانية منها إلى البشرية ...
وهكذا يصدق هذا القول على بقية منظومة الصفات البشرية الأخرى كالعدل والمساواة وحق الملكية والعمل وحق التدين ... إلخ.