للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهذه الرؤية تكتسب حقوق الإنسان في الإسلام بعداً إنسانيًّا يرتقي فوق الفوارق التي يصنعها بعض البشر، كما أنها تكتسب صفة القداسة باعتبارها عطاء إلهيًّا يفوق أي عطاء من سلطة دنيوية مهما علا شأنها، ولذلك فإن المساس بهذه الحقوق أو انتهاكها يعتبر انتهاكاً لحرمة الدين ومساساً بشرع الله وهو أرقى درجات الاعتراف بهذه الحقوق، مما يؤكد أن الإسلام هو دين حقوق الإنسان وأنه سبق كل تصور بشري تضمنته الإعلانات والمواثيق الدولية الشرقية منها والغربية.

وعلى هدي آيات القرآن الكريم جاءت السنة النبوية لتعضد اتجاه فطرية حقوق الإنسان في الإسلام، ولتؤكد على قدسيتها وضرورة احترامها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخطب في حجة الوداع: ((أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب. إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد. ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب)) (١) . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من ظلم معاهداً أو انتقصه حقاً أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة)) (٢) . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يقف أحدكم موقفاً يضرب فيه رجل ظلماً، فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه)) (٣) . وهذا الهدي النبوي الرفيع يشير بوضوح إلى أن معاملة الإنسان المسلم لأخيه الإنسان يجب أن تكون متجهة لذاته كبشر ذي إرادة واختيار، حتى ولو قاده اختياره ليكون غير مسلم بمعنى أن حقوق الإنسان التي ينادي بها الإسلام لا تخص المسلمين فقط، وإنما هي معاملة عامة لكل البشر، وفي هذا الإطار يرد في الحديث الذي رواه البخاري عن جابر قال: "مرت بنا جنازة فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا.. فقلنا: يا رسول الله! إنها جنازة يهودي؟ قال: ((أليست نفساً؟)) .


(١) رواه ابن هشام: كنز العمال: ١ / ٦٦، ٢ / ٢٢.
(٢) ورد هذا الحديث عند القرطبي في تفسيره بهذا اللفظ: "ومن ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئاً منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة "مرويًّا عن أبي داود عن صفوان بن سليم (٨ / ١١٥) - دار الكتاب العربي. وورد في كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني مرويًّا عن أبي داود أيضاً بلفظ: "من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا خصمه يوم القيامة "دار إحياء التراث العربي - بيروت: ٢/٢١٨، رقم الحديث (٢٣٤١) .
(٣) رواه الطبراني.

<<  <  ج: ص:  >  >>