إن المجتمعات الإسلامية تعاني اليوم من أزمات مالية شديدة في شتى أصقاع العالم الإسلامي، وذلك لوجود الاحتكارات العالمية وسيادة نظام الربا وإفلاس أكثر الأنظمة الاقتصادية الوضعية، وسيطرة رأس المال على الحياة بأوجهها كلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
من هنا كانت حاجة الناس اليوم أشد ما تكون من أي وقت سبق إلى إحياء الوقف بنوعيه الخيري والذري، والأول أكثر أهميه من الثاني لأنه ألصق- أنواع الوقف بعمل الخير وبـ التكافل الاجتماعي الذي وضعه الإسلام.
وإذا كان الوقف الخيري يمثل مؤسسة اجتماعية لا تنتمي إلى قطاع عام ولا قطاع خاص، بل هي قطاع قائم بذاته هو قطاع الخير والبر والمعروف والتعاون الذي نادى به الإسلام بتشريعه الإلهي:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:٢] إذا كان الأمر كذلك فإن العالم الإسلامي اليوم يئن تحت وطأة الجوع والفقر والفاقة، ولديه ما يقارب ثلث خيرات الأرض.
قلت: وهذا وحده كاف للرجوع إلى مؤسسة الوقف الخيري الذي تنبه له الغربيون الأوروبيون والأمريكيون، فأقاموا منه صرحا شامخا وطوروه حتى بات يلبي حاجاتهم هناك بشكل مثالي في كل مناحي الحياة، وما من دولة من دولهم إلا وهي ترتع في بحبوحة الوقف وتتنعم بخيراتها وتنفق من عائداتها على شعوبها، فأكثر الجوائز العلمية لديهم بل كلها وكثير من الجامعات والمراكز العلمية هي مؤسسات وقفية بحتة لا علاقة للدولة بها إلا من حيث إصدار الترخيص فقط (١) .
(١) انظر: كتاب (الوقف الإسلامي، تطوره- إدارته- تنميته) للدكتور منذر قحف، في مواطن متعددة