ومما ساعد على استقرار الحكم، إلى جانب وجود النص، أن النقود كانت سلعية، وكانت من الذهب أو الفضة قبل التعامل بالفلس. وبعد انتشار الفلس كان له دور محدود للغاية كنقد مساعد، وظهر الخلاف في إلحاقه بالنقدين، وتحدثت عن النقود وأحكامها في كتاب "النقود واستبدال العملات دراسة وحوار"، فأرجو التكرم بالرجوع إليه.
في عصر التشريع كان سعر الصرف غالبًا الدينار بعشرة دراهم، ولذا كان نصاب الزكاة عشرين دينارًا أو مائتي درهم، وبالبحث في النصاب، ووزن كل من الدينار والدرهم، نجد أن قيمة الذهب كانت سبعة أضعاف الفضة.
ومع أن الذهب والفضة يتميزان بالاستقرار النسبي، غير أن العلاقة بينهما لم تظل ثابتة، فتغير سعر الصرف من وقت لآخر حتى وجدنا الفضة تهبط إلى ما يقرب من واحد في المائة (١ %) من قيمة الذهب.
كما أن العلاقة بينهما وبين باقي الأشياء لم تظل ثابتة، مثال هذا عندما غلت الإبل في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فزاد مقدار الدية من النقدين.
إن هذه الزيادة تعني أن النقود انخفضت قيمتها بالنسبة للإبل، ولكن الأمر لم يكن قاصرًا على الإبل، فغيرها قد يرتفع ثمنه وقد ينخفض، وارتفاع الثمن يعني انخفاض قيمة النقود، وانخفاض ثمن السلع يعني ارتفاع النقود.
ومع احتمال زيادة قيمة السلع أو النقود ما وجدنا إمامًا من أئمتنا يفتي بأن القرض يرد بقيمته لا بمثله.
غير أن الزيادة والنقصان لم تكن بالصورة التي شهدها عصرنا، عصر النقود الورقية، وعلى الأخص بعد التخلي عن الغطاء الذهبي، ولجوء بعض الدول أو اضطرارها إلى خفض قيمة ورقها النقدي.
ومن هنا وجدنا من يدعو إلى رد القرض بقيمته يوم الإقراض لا بمثله، ومن يقول: إن المثلية ذاتها غير متحققة في الورق النقدي الذي انخفضت قيمته.
والواقع أن هذه مشكلة تحتاج إلى دراسة واجتهاد عصري، ولقد أحسن المجمع صنعًا إذ جعل هذا الموضوع من أبحاث مؤتمره الثالث.