للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذمة الواحدة للوقف، أم ذمم مستقلة

لا شك أن الوقف إما أن يكون لصالح شخص وذريته، أو نحو ذلك مما يسمى في الفقه الإسلامي بالوقف الأهلي، أو الذري، فهذا له طابعه الخاص وتكون إدارته في إطار الشخص الموقوف عليه، أو ذريته فيما بعد حسب تفصيل لا يهم موضوع البحث.

وإما أن يكون الوقف على جهة خيرية مثل الوقف على المساجد، أو المدارس، أو الفقراء، أو المساكين، أو الأرامل، أو اليتامى، أو لمدرسة خاصة، أو لمؤسسة علمية خاصة بدراسة علم معين، أو ابتكار معين.

وهذا النوع الثاني هو الذي نتحدث عنه، حيث يرد سؤاله: هل هذه الجهات لو اجتمعت كلها أو بعضها تحت إشراف مؤسسة يكون لكل واحدة منها ذمة مستقلة، وتعمل على أساس شخصيتها المستقلة، فلا يجوز التداخل بين حقوقها والتزاماتها وبين حقوق والتزامات جهة أخرى، أم أنها ينظر إلى كل هذه الجهات كذمة واحدة، وحينئذ يحمل بعضها عن بعض؟

للجواب عن ذلك نقول: إن الأصل والمبدأ العام والقاعدة الأساسية هو الحفاظ على خصوصية كل وقف وكل جهة وإن كانت تحت إشراف إدارة واحدة، وذلك لضرورة مراعاة أن يكون ريع الوقف لنفس الجهة التي وقف عليها الواقف، قال البهوتي: "ويتعين مصرف الوقف إلى الجهة المعينة" (١) .

وكذلك الأمر في حالة الالتزامات، والتعمير والبناء وذلك من خلال ترتيب هذه الجهات كصناديق خاصة لها ذمتها المالية المستقلة بقدر الإمكان.

هذا هو الأصل ما دام ذلك ممكناً ولم يكن هناك ما يعارضه، ويدل عليه الأدلة المعتبرة على ضرورة الحفاظ على الوفاء بالعقود والشروط، إلا الشروط التي تكون مخالفة للكتاب والسنة، أو لا تحقق الغرض المنشود من الوقف، قال القرافي: "ويجب اتباع شروط الوقف ...، لأنه ماله، ولم يأذن في صرفه إلا على وجه مخصوص، والأصل في الأموال العصمة ... ". (٢)


(١) شرح منتهى الإرادات: ٢ / ٤٠٦.
(٢) الذخيرة، ط دار الغرب الإسلامي: ٦ / ٣٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>