للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمقصود إجراء الوقف على الشروط التي يقصدها الواقف، ولهذا قال الفقهاء: إن نصوصه كنصوص الشارع، يعني في الفهم والدلالة، فيفهم مقصود ذلك من وجوه متعددة كما يفهم مقصود الشارع" (١) ، ومع هذا الأصل العام إن الذي يظهر راجحاً هو جواز التصرف في جميع الأموال المرصودة لجهة واحدة، كالمساجد مثلاً حيث لا بد أن ينظر إلى جميع موقوفات المساجد الواقعة تحت إدارة الوقف كذمة واحدة حسب المصلحة الراجحة، ولكن مع تقديم مصالح الموقوف عليه من وقفه الخاص به على غيره، وإذا فضل، أو اقتضت المصلحة غير ذلك صرف منه إلى بقية الموقوف عليه من نفس الجهة، وهكذا الأمر في الوقف على جهة الفقراء، أو المدارس، أو نحوها.

ولكن يرد سؤال آخر وهو: هل يمكن أن ينظر إلى جهات الخير كلها كأنها جهة واحدة يصرف من ريعها على الجميع حسب أولوية المصالح؟

فقد أفتى فقهاء المالكية بذلك حيث جاء في نوازل العلمي: "الأحباس كلها - إذا كانت لله - بعضها من بعض، وذلك مقتضى فتوى أبي محمد العبدوسي "، كما نقل فتاوى بهذا الشأن للبزرلي وابن ماجشون وغيرهما (٢) ، وجاء فيهما أيضاً: " قال أصبغ، وابن ماجشون: إن ما يقصد به وجه الله يجوز أن ينتفع ببعضه من بعض، وروى أصبغ عن ابن القاسم مثل ذلك في مقبرة قد عفت فيبني قوم عليها مسجداً: لم أر به بأساً، قال: وكذلك ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه على بعض، وقد رأى بعض المتأخرين: أن هذا القول أرجح في النظر، لأن استنفاد الزائد في سبيل الخير أنفع للمحبس، وأنمى لأجره" (٣) .

وقال أبو محمد العبدوسي في الجواب عن جمع أحباس فاس: "يجوز جمعها، وجعلها نقطة واحدة وشيئاً واحداً لا تعدد فيه، وأن تجمع مستفادات ذلك كله، ويقام منه ضروري كل مسجد من تلك المستفادات المجتمعة " (٤) .

وأفتى بعض علماء الحنابلة بجواز عمارة وقف من ريع وقف آخر على جهته، قال ابن مفلح: "ويصرف ثمنه - أي الموقوف في حالة بيعه - في مثله" كذا في المحرر، والوجيز، والفروع، وزاد: أو بعض مثله، قاله أحمد، لأنه أقرب إلى غرض الواقف" ثم قال: "وظاهر كلام الخرقي أنه لا يتعين المثل، واقتصر عليه في المغني، والشرح، إذ القصد النفع، لكن يتعين صرف المنفعة في المصلحة التي كانت الأولى أن تصرف إليها، لأن تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه لا يجوز، وكذلك الفرس إذا لم يصلح للغزو بيع واشتري بثمنه ما يصلح للجهاد، وعنه رواية أخرى: يصرفه على الدواب الحبس، وما فضل من حصره وزيته جاز صرفه إلى مسجد آخر، والصدقة به على فقراء المسلمين.. واختاره الشيخ تقي الدين، وقال أيضاً: وفي سائر المصالح، وبناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته" (٥) .


(١) مجموع الفتاوى: ٣١ / ٩٨.
(٢) نوازل العلمي: ٢ / ٣١٣ - ٣١٤.
(٣) نوازل العلمي: ٢ / ٣٤٤ - ٣٤٥.
(٤) نوازل العلمي: ٢ / ٣٤٤ - ٣٤٥.
(٥) المبدع في شرح المقنع، ط قطر: ٥ / ٣٥٥ - ٣٥٧ بتصرف غير مخل.

<<  <  ج: ص:  >  >>