للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن توفير الطمأنينة الكافية للواقف حيال تنفيذ وتطبيق شروطه ومقولاته أمر على أعلى درجة من الأهمية لإقدام الناس على الوقف، وهذا أمر قد وعاه الفقه حق الوعي، لكنه مشروط بكونه كلاماً رشيداً عقلانيًّا محققاً بالفعل لمصلحة الواقف ومصلحة الموقوف عليه ومصلحة المجتمع، وبالتالي فالمسألة في حاجة إلى توعية جيدة للأفراد، وتدخل حميد من قبل الجماعة والدولة عند اللزوم. وعدم توفر الوعي الكافي لدى الجميع بجواز وقف المنافع - مع أن ذلك منصوص عليه صراحة في الفقه المالكي - حد كثيراً من فعالية الوقف واتساع نطاقه، مع أن المنافع أموال وهي باقية ببقاء العين، وأهميتها لا تقل عن أهمية العين المادية، بل إن وجودها في العين هو الذي يجعل للعين قيمة اقتصادية.

٢- عدم وجود صيغ وأساليب عصرية لقيام عملية الوقف، من حيث الإدارة والاستثمار والصيانة وغير ذلك، أو على الأقل عدم وجود علم بها ودراية من قبل جماهير الناس. مع أن الواقع المعاصر بما فيه من أوضاع وملابسات في حاجة ماسة إلى صور وأساليب عصرية ملائمة له، حتى يقدم بفعالية على هذا العمل الخيري.

٣- وجود تشريعات وقوانين معوقة في كثير من الدول الإسلامية، تحول بين العديد من الأفراد والقيام بالوقف.

٤- فقدان الثقة في إدارة الوقف والقيام الصحيح على شؤونه بما يحافظ على الحقوق الوقفية.

إن خلاصة ما يمكن الخروج به من نتائج جوهرية من هذه الفقرة أن فقه الوقف يقوم على قدر كبير من المرونة التي تجعل الوقف ذا قابلية عالية للتطوير في ضوء العوامل المستجدة، وذا قدرة كبيرة على التكيف الإيجابي مع هذه العوامل، لاسيما إذا ما التفتنا إلى نقطة قوية لها أهميتها في هذا المجال؛ وهي الطبيعة الدينية للوقف، وهل هو عمل ديني تعبدي محض أم هو عمل ديني معقول المعنى ذو غرض ومقصد يرجع إلى منفعة الواقف ومنفعة الموقوف عليه؟ وبالتالي فقد يجمد ويثبت ويسكن مهما تغيرت الظروف، أو يتطور ويتعدل بتغير الظروف والأوضاع، وبعبارة أخرى: هل للمصلحة المعتبرة شرعاً مدخل في تشريع الوقف؟ فإن قلنا: نعم، وهذا هو الصحيح، طبقاً لما ذكره الفقهاء، ولما قام به من تحليل قيم وتأصيل دقيق الشيخ عبد الله بن بيه (١) ، فإن معنى ذلك اكتساب عملية الوقف المزيد من المرونة والقدرة على التكيف والمواءمة.


(١) مرجع سابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>