للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥- استثمار الوقف النقدي:

يقصد باستثمار الشيء توظيفه واستغلاله ليدر ثمرة أو عائداً، كاستغلال المساكن بتأجيرها، والأراضي بتأجيرها أو مزارعتها مثلاً، والمعروف أن النقود لا تدر عائداً بذاتها وبقائها جامدة ساكنة، وإنما لا بد من تحريكها وتقليبها وتحويلها إلى أشكال أخرى من الثروة ثم إعادتها مرة ثانية هي أو عائدها إلى نقود، وهكذا، فيمكن أن يشترى بها سلع ثم تباع بربح، ويمكن أن يشترى بها أصول تستغل في إدرار العائد كشراء أراضي أو مساكن أو مصانع أو أسهم.. إلخ، وقد سبق أن أشرنا إلى أن النقود كي يصح وقفها لابد من استغلالها استغلالاً يتم مع عدم زوالها وهلاكها، وهذا يتطلب في غالب الأحوال القيام باستثمارها ومن ثم تبقى وتوزع الثمرة أو العائد أو الدخل المترتب.

وقبل أن نعلق على صور وأساليب استثمار الوقف النقدي نحب أن نشير إلى صورة من الصور التي ذكرها الفقهاء حيال وقف النقود، فقالوا: يمكن أن توقف النقود بغرض الإقراض، وصوروا ذلك بقيام شخص بوقف مقدار من المال النقدي لإقراض المحتاجين، فيأخذ المحتاج القرض يسد به حاجته ويعيده بعد ذلك لـ ناظر الوقف (١) ، وقد يقال هنا: أين هو الأصل المحبوس وأين هي الثمرة؟

والجواب: إن الأصل هو النقود الموقوفة، وهي قائمة وباقية ومحبوسة على هذا الغرض، أما الثمرة فهي تلك المنفعة التي تحققها هذه النقود لمن يقترضها، فمن البديهي أن هناك نفعاً ما للمقترض وإلا ما كان هناك وجه للاقتراض، ومعنى ذلك قيام صندوق وقفي للإقراض الحسن، وهو أمر مهم قد لا يقوم غيره مقامه (٢) .

وقد يقال هنا: أين استثمار النقود؟ والجواب: أنه لا استثمار هنا، وهل كل وقف يولد ثمرة أو غلة منفصلة؟ لقد قال العلماء: إن هناك وقفاً مغلاً ووقفاً غير مغل (٣) . ومثلوا للأول بالدار الموقوفة للأجرة، وللثاني بالدار الموقوفة للسكني. والأولى بالتساؤل هنا: قضية القروض التي قد لا تسدد، وقضية نفقة الناظر على الوقف، فالواضح أنه دون أن تعالج هاتين المسألتين علاجاً جيداً فإن أموال الوقف سرعان ما تزول، وموارد الصندوق سرعان ما تنضب وتجف، هذا مناقض لمقصود وسنة الوقف كما أنه مناقض لغرض الواقف من دوام وقفه ليدوم انتفاع الموقوف عليه ومن ثم يدوم الثواب، ومع أخذ التحوطات الكافية من ضمانات ورهون وكفالات، فقد ينظر في مشروعية دفع المقترض التكاليف الفعلية لاقتراضه في ضوء ضوابط محددة تحديداً شافيًّا. ونرى أن المخرج الأقوى في ذلك هو قيام الناظر على الوقف باستثمار نسبة معينة من أموال الوقف، يحسن أن تكون بعلم الواقف، يوجه عائدها أساساً لنفقات الناظر، ولتكوين مخصصات للديون المعدومة، وما قد يتبقى يرسمل أي يضاف إلى أموال الصندوق المرصودة للإقراض.


(١) الدسوقي، مرجع سابق: ٤ / ٧٧.
(٢) د. راشد العليوي، الصيغ الحديثة لاستثمار الوقف وأثرها في دعم الاقتصاد، ندوة مكانة الوقف وأثره في الدعوة والتنمية، مكة المكرمة، شوال ١٤٢٠هـ.
(٣) سحنون، المدونة، مرجع سابق: ٦ / ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>