تقوم طبيعة الوقف الخاصة في أهم ما تقوم عليه على حبس العين الموقوفة عن التداول، فالوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث.. وعندما فتح الفقهاء باب استبداله فقد فتحوه في حدود ضيقة وضمن شروط محددة، ومن هنا وعلى سبيل المثال فإن صيغ استثمار الأراضي الوقفية يجب أن يقوم على استبقاء ملكية الأرض الموقوفة محبوسة عن التداول، مما يتطلب دراسات فقهية خاصة تلاحظ هذه الطبيعة.
كما أننا في مجال استثمار العقارات الوقفية يجب أن نلتزم بالصيغ المقبولة شرعاً.. وهذا يجعل كل الصيغ القائمة على التمويل الربوي غير مقبولة في هذا المجال.. وهذا يتطلب من الاجتهاد المعاصر العمل على اقتراح صيغ استثمارية جديدة، أو تطوير الصيغ السابقة لتلبي احتياجات الاستثمار الكبير في هذا المجال، مع ضرورة توافر إمكانيات القياس الدقيق للجدوى الاقتصادية للمشروعات من خلال أدوات الاستثمار المعتمدة كما أوضحت في بحثي عن صيغ استثمار الأراضي الوقفية الذي قدمته للدورة الثانية عشرة للمجمع.
وهناك حاجة ملحة لإحياء دور الوقف في خدمة جهات الخير والنفع العام وتحقيق أهدافه في المجتمع، وإلا فإن الوقف يمكن أن ينقلب إلى نوع من تعطيل المال.. ولذلك اهتم فقهاؤنا ببيان المسؤولية الكبرى التي يحملها متولو الوقف في إعماره وإصلاحه ليظل يعود بالنفع على الجهات التي وقف عليها.. وقد باتت تحمل هذه المسؤولية على الأوقاف الخيرية في معظم الدول الإسلامية وزارات أو إدارات متخصصة في إدارة الوقف وتنميته باعتبارها متوليًّا عامًّا على هذه الأوقاف الخيرية، وأمام ذلك أصبحت هذه المسؤولية تتطلب جهوداً كبيرة لتطوير هذه الإدارات، بالإضافة إلى استحداث صيغ جديدة تلبي احتياجات الاستثمار المتزايد أمام كثرة الأراضي الوقفية التي باتت تقع تحت مسؤولية هذه الجهات. بالإضافة إلى ما أسند لهذه الوزارات أو الإدارات من مسئولية على الأوقاف الذرية بقرارات من القضاء في حالات فشل المتولين على هذه الأوقاف أو انحرافهم أو انقطاعهم لسبب أو لآخر.