للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن كثيراً من الجهات الوقفية والخيرية في المجتمعات الإسلامية باتت تلجأ إلى صيغة الوقف لتمويل المشروعات الثقافية والصحية والاجتماعية، وإن التوجه الإسلامي أخذ يستجيب لهذه الصيغ، وبدأ المحسنون يقفون الأوقاف المنقولة وغير المنقولة لهذه الأغراض، مما يحمل هذه الجهات مسؤولية كبيرة في تقديم أفضل الصيغ وأكثرها أماناً ودقة لإدارة هذه الأوقاف لتتمكن من تحقيق الأهداف الخيرية المنوطة بها.

وهنا لا بد من التنبيه إلى أن كثيراً من هذه الأوقاف التي أخذت في القيام هي أوقاف نقدية، مما يتطلب اهتماماً خاصاً بتأصيل هذا النوع من الوقف وتفعيله وتحقيق الاستثمار الراشد له، والذي يحقق أهداف الوقف في المجتمع، بالإضافة إلى الاطمئنان إلى استمرار هذا الوقف ونموه باضطراد بإقبال المحسنين عليه عندما يقوم هذا النمو على الاستثمارات النافعة المقبولة شرعاً.

وقد اهتم الفقهاء بتعريف الوقف وتعددت تعريفاتهم له على ضوء اختلاف مذاهبهم في كثير من أحكام الوقف من حيث لزومه وعدم لزومه، ومن حيث اشتراط القربة فيه، ومن حيث الجهة المالكة للعين والموقوفة بعد وقفها، إلى غير ذلك من أمور تحدد طبيعة الوقف وحقيقته في المذاهب الفقهية المتعددة.

فمن تعريفات الشافعية مثلاً: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه على مصروف مباح (١) ، وعرفه أبو حنيفة بأنه: حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة، وعرفه الصاحبان بأنه: حبس العين على ملك الله تعالى وصرف منفعتها على من أحب (٢) .

وعرفه أئمة المالكية بأنه: إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديراً (٣) . وعرفه أئمة الحنبلية: بأنه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة (٤) . وعرفه القانون المدني الأردني باعتباره مستمدًّا من الفقه الإسلامي استفادة من مجموع التعريفات السابقة: " الوقف: حبس عين المال المملوك عن التصرف وتخصيص منافعه للبر ولو مالاً" (٥) .

وواضح من مجموع هذه التعاريف أن الوقف له طبيعة خاصة تقوم على حبس العين عن التداول، وبالتالي لا يجوز فيه أي تصرف يمس هذا الحبس، فلا يجوز التصرف فيها بالبيع أو الهبة أو بأي تصرف آخر يؤثر على ديمومة تمحضها لأن ينفق دخلها وما ينتج منها على الجهة الموقوفة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب المحافظة على استمرارية تدفق دخلها للجهة الموقوفة عليها، وإن أي عملية تمس ذلك يجب أن تكون في المحصلة لمصلحة هذه الجهة وفي إطار ما هو جائز شرعا.. وهذا أمر تقوم على تقديره الجهة المتولية لإدارة الوقف واستثماره تحت رقابة القضاء الشرعي، ووفق الأسس والقواعد المقررة في القوانين والأنظمة السارية المفعول الملتزمة بأحكام الشريعة، والتي تعتبر شرط الواقف كشرط الشارع ما يوجب مراعاتها عند التعامل مع الوقف إدارة واستثماراً.


(١) حاشية القليوبي على شرح المنهاج: ٣ / ٩٧.
(٢) شرح فتح القدير: ٥ / ٤١٦؛ حاشية ابن عابدين: ٤ / ٣٣٦.
(٣) مذاهب الجليل شرح مختصر خليل: ٦ / ١٨.
(٤) المغني لابن قدامة: ٥ / ٥٩٧.
(٥) المادة (١٢٣٣) من القانون المدني الأردني.

<<  <  ج: ص:  >  >>