للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواقع إن الفقهاء في الأصل قد اختلفوا في ملكية العين الموقوفة على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: إن العين الموقوفة محبوسة على حكم ملك الله تعالى.

المذهب الثاني: إن ملكية العين الموقوفة تبقى للوقف.

المذهب الثالث: إن ملكية العين الموقوفة تكون للجهة الموقوف عليها.

وقد رجح كثير من العلماء المذهب الأول باعتبار أن الوقف إزالة للملك على وجه القربة يمنع التصرف فيه بعد هذه الإزالة، إلا عند الفقهاء الذين قالوا بعدم لزوم الوقف، (ومن المعلوم أن الرأي الراجح لزوم الوقف) فأجازوا للواقف الرجوع عنه، وعند ذلك يجوز بيعه أو التصرف فيه، لأنه لو كانت العين الموقوفة مملوكة للواقف أو الموقوف عليه لجاز لهم التصرف فيها، ولما كان هذا التصرف ممنوعاً، فدل ذلك على عدم وجود الملكية، لأن الملكية تستلزم جواز التصرف.

ويؤكد هذا أن العين الموقوفة عند وفاة الواقف لا تنتقل إلى الورثة، بل يظل حكم الوقف مشابهاً تماماً لحكمه قبل الوفاة.. مما يعني عدم وجود ملكية للواقف أو الموقوف عليهم وإلا لانتقلت منهم للورثة.

والذي دفع الفقهاء الذين قالوا بملكية الواقف أو الموقوف عليه للعين الموقوفة ضمن شروط معينة هو الحرص على تمييز الوقف عن السائبة، باعتبار أن الوقف ليس فيه إسقاط للملكية، إنما إبقاء لها على حكم الواقف، أو نقلاً لها للجهة الموقوف عليها.

وأما المذهب الراجح فيكون الأمر فيه من باب نقل الملكية إلى حكم ملك الله تعالى، وحبسها على ذلك حتى لا يجوز التصرف فيها، أو هو تصور فقهي يقوم على افتراض جهة مالكة يمكن التعبير عنها، كما يرى كثير من الفقهاء المعاصرين بالشخصية الحكمية للوقف، وهي التي عبر عنها الفقهاء القدماء بـ حبس العين على حكم ملك الله تعالى ... وإلا فمن المعلوم أن كل الأشياء لله تعالى.

وواضح أن المذاهب الفقهية في هذا المجال قد قامت على ما ورد من نصوص شرعية في الكتاب والسنة، والتي استدل بها العلماء على مشروعية الوقف، وأخذوا منها العديد من أحكامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>