للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الثاني

آثار الوقف في تنمية المجتمع وحكمة مشروعيته

إن الله سبحانه وتعالى شرع الوقف لحكم عظيمة وفوائد جليلة، منها ما يظهر لنا ونستطيع أن ندركه بعقولنا وفهومنا القاصرة، ومن ذلك:

١- حفظ أصول الأموال من الضياع: إن المال في الإسلام جعله الله في أيدينا، وليس من حق صاحبه التلاعب به وتضييعه وإتلافه، فالإنسان مستخلف فيه يستفيد منه في حياته متقيداً بالضوابط الشرعية، قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: ٧] ، وقال عز من قائل: {وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ} [النور: ٣٣] ، وقد نهى الله سبحانه أولياء الأمور عن إعطاء السفهاء الأموال التي جعلها الله قياماً لمصالح الناس ومعاشهم وأمرهم بأن يرزقوهم بدون إسراف، قال سبحانه: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: ٥] ، فحفظ أصول الأموال ومنعها من الضياع من مسؤولية صاحب المال الذي كد وتعب في جمع ذلك المال، وهو الذي يعرف قدره وقيمته، ويهمه بقاؤه ونماؤه، وأما أولاده وعياله فقد يكون منهم من لا يعرف ذلك، وربما يتصرف فيه تصرف الزاهد فيه غير المكترث، مثل أن يقوم ببيعه بأرخص الأثمان لأتفه الأسباب، ومنعاً لمثل هذا التصرف شرع الوقف الذي يحفظ الأصول من الضياع، ويبقى الانتفاع بالثمرة، فلا يباع ولا يورث ولا يوهب، فليس لأحد من الأبناء التصرف بما يزيل الملكية، فثبت بهذا حفظ الأصول من الضياع والزوال.

٢- بقاء ذكرى صاحب المال واستمرار دعاء المستفيدين له: إن الإنسان عندما يموت لا يبقى اسمه إلا بقدر ما يذكره من الأعمال التي قام بها، فإن كانت خيراً باقيًّا أثره ونفعه يبقى ذكره ما أثر ذلك الخير، ويدعو له المنتفعون بذلك الخير أو المحبون له، وهذا مطلوب شرعاً، قال إبراهيم عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ} [الشعراء: ٨٤] ، وقد أجاب الله دعوته وأبقى ذكره ومحبته في جميع أهل الملل، قال تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ} [الصافات: ٧٨] ، أي تركنا له في الآخرين ثناء حسناً وذكراً جميلاً يذكر بخير ويصلى ويسلم عليه عند جميع الطوائف والأمم إلى يوم القيامة (١) ، فالمؤمن يطلب بقاء ذكره ليكون قدوة للآخرين، ثم هؤلاء يترحمون عليه ويدعون الله له، وقد وصف الله تعالى عباد الرحمن بأنهم يدعون الله بأن يجعلهم قدوة للمتقين، قال تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: ٧٤] ، وإذا ثبت هذا فليس هناك شيء أبقى للذكر وأنفع من الحبس والوقف، ولاسيما وقف العقارات والأراضي.


(١) تفسير البغوي: ٤ / ٣٠- ٣٥؛ وابن كثير: ٤ / ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>