٥- أنه سبب لسد فاقات كثير من الناس في المجتمع، وسبب للمحافظة على مستوى المعيشة للفئات المختلفة، وسبب لبقاء الأمل للفقراء والمحاويج، فوجود الوقف على طائفة معينة سبب لسد حاجات تلك الطائفة، كما أنه موئل لهم لحياة كريمة تجعلهم مشاركين مع فئات المجتمع لا ينقمون عليه ولا على ثرواته وممتلكاته، فيحول بين نشوب صراع الطبقات وتحاسدها، فالكل له أصول نامية يعلل بها نفسه ويعيش في مستوى لا بأس به ويطمع في المزيد، وهذا الطمع والأمل سر حب الإنسان للحياة، وإذا فقد ذلك الأمل أظلمت عليه الدنيا وكره الوجود ومن فيه، ونتيجة لهذا الاستقرار النفسي يكون الوقف سبباً لازدهار المجتمع وتطوره ورخائه واستقراره حيث تعتمد عليه طوائف من المجتمع في حياتها وتجد المأوى والموئل بعد الله تعالى، فتستقر له الحياة وتتفرغ للعمل النافع المثمر، فاليتيم الذي له كفالة يعيش مطمئناً لا يسرق ولا ينهب، وكذلك الفقير الذي له غلة وقف ينتظرها، والأرملة والمرضى والأسرى وغيرهم، بل يتجه الجميع إلى الإنتاج والتفكير النافع.
ومن هذا يتضح أن الوقف سبب لإشاعة المودة والمحبة بين المجتمع، فالمجتمع الذي تنتشر فيه الأوقاف مجتمع مودة بين أصحاب رؤوس الأموال وبين الفقراء والأيتام والأرامل والمرضى وأصحاب العاهات، فتربط بين هؤلاء المنكوبين وبين مجتمعهم أواصر التعاون والتحابب والتناصر، فيجد هؤلاء العطف والشفقة والرأفة من مجتمعهم فيعيش أحدهم في الرباط أو الملجأ، ويعالج مجاناً في المستشفى الموقوف، ويأتي له راتبه من غلة الوقف فيحصل له شعور مودة نحو أصحاب الأوقاف، ثم على المجتمع ككل، فلا ينقم على أحد ولا تكون هناك مشاكل اجتماعية ولا ثورات الطبقات، وينطبق على هذا المجتمع قوله صلى الله عليه وسلم:((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) (١) .