للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦- حفظ كرامات المجتمع وبالأخص النبلاء والشرفاء: من التبذل والاستجداء والتزلف للأغنياء مما ينتج عنه الاستقلال الفكري، والتجرد عن الهوى والميول، وقد ثبت في التاريخ الإسلامي أن عدداً من العلماء والفقهاء يعتمدون في تفرغهم لإنتاجهم العلمي والتربوي والفكري على عوائد الوقف وهم يعيشون في الربط المخصصة للعلماء، وينتفعون بالكتب الموقوفة، ويجدون التشجيع والجوائز والمعاشات من أموال الأوقاف، وبهذا استطاع العلماء أن يعيشوا متفرغين مع بحوثهم وكتاباتهم دون أن ينشغلوا بالتكسب والترزق.

كما ضمن لهم مصدر رزق ثابت مما جعلهم يتفرغون للبحث والتأليف والإرشاد والتوجيه ما أغناهم عن طلب التوظيف لدى الدولة وعن التكسب والسعي في طلب الرزق.

ومن الأمثلة على ذلك أوقاف الأزهر الشريف قبل تأميمها، وكذلك الأوقاف على علماء المدارس والمذاهب الفقهية، وبذلك تقدمت الحضارة الإسلامية فصارت خيراً للبشرية.

ومن الأمثلة المعاصرة للأوقاف التي استفاد منها العلماء والباحثون: جائزة الملك فيصل العالمية - وفق الله القائمين عليها - ويقال: إن جائزة نوبل مما استفاده الغربيون من المسلمين فقلدوا المسلمين، واشتهر لدى الناس أنهم اخترعوها.

وإذا تأملنا آثار الأوقاف في التاريخ الإسلامي نجد اعتماد كثير من فحول العلماء على عوائد الأوقاف واستغنائهم بها عن التزلف إلى أبواب ذوي المال أو السلطة مما ضمن لهم الاستقلالية التامة في الفكر والمنهج، والسلامة من الضغوطات والمؤثرات، أو التزلف لأصحاب الأموال، وعاشوا أحراراً في أفكارهم وفتاواهم واجتهادهم بدون خوف من قطع رزق بسبب أفكارهم من أصحاب سلطة أو مال أو جاه، وبذلك قدموا للأمة الإسلامية آراءهم وأفكارهم واجتهاداتهم بوضوح وجلاء دون مواربة، فقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صاحب الفكر الحر يعيش في أوقاف الحنابلة، ويقوم بالتدريس بمدرسة ابن الحنبلي، ويتناول من هذه المدرسة مقابل معرفته بمذهب الإمام أحمد لا على تقليده له (١) ، مما جعله يتفرغ لتصحيح الفكر والمنهج مما علق به من الشرك والبدع والشعوذة والتصوف والفلسفة والاعتزال بدون شاغل ولا مؤثر، والأمثلة في هذا الباب كثيرة.


(١) انظر: ابن قيم الجوزية - حياته وآثاره، للشيخ بكر أبو زيد، ص ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>