للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت خاصة باشتراء المحقرات كما يقول المقريزي في كتابه: "إغاثة الأمة بكشف الغمة": "إن سبب ضرب الفلوس أيام الكامل من الدولة الايوبية، هو شكوى امرأة إلى خطيب الجامع بمصر أبي الطاهر المحلي مسألة من مسائل الصرف الربوي تصعب السلامة منها؛ لأنها تشتري الماء من السقاء بنصف درهم، فتعطي درهما ويرد السقاء نصف درهم ورقا، فكأنها اشترت الماء ونصف درهم، فأنكر أبو الطاهر ذلك وكلم السلطان، فضرب الفلوس، واستمر الناس في ذلك حتى أصبحت هي الرائجة في مصر، وحلت محل الذهب والفضة، وخصوصًا أيام السلطان برقوق إلى أيام المقريزي في القرن التاسع.

ولعله يشير بهذه الحكاية إلى المسألة المشهورة عند الشافعية بمد عجوة ودرهم؛ وهي: أن يبيع أحد ربويين بمثله ومع أحد العوضين جنس آخر، فالبيع باطل عند الشافعية والمالكية، إلا أن هؤلاء يتسامحون في المحقرات.

أما النقود الورقية فإنها ظهرت في الصين لأول مرة كما يذكر ابن بطوطة: ثم ظهرت في الغرب فكان بنك استكهولم بالسويد أول حلقة سنة ١٦٠٨م في سلسلة تطور النقود الورقية الذي استمر إلى عصرنا الحالى من سندات إلى أوراق مغطاة بالذهب، إلى أوراق غير مغطاة.

ولا أرى ضرورة للتوقف عند ذلك، المهم أنه لا اعتراض للفقهاء على توسيط أي شيء في التبادل ما لم يكن محرم العين أو مغشوشًا بشكل لا يمكن تحديد نسبته ولم يتواضع عليه، علمًا بأن بعض العلماء كالمقريزي في كتابه "إغاثة الأمة" أنكر إنكارًا شديدًا التعامل بالفلوس واستبعاد الذهب والفضة من دورة التعامل قائلاً بعد أن ذكر أن الفلوس أصبحت عوضًا عن المبيعات كلها، من أصناف المأكولات والمشروبات، وسائر أنواع المبيعات: ويأخذونها في خراج الأرضيين، وعشور أموال التجارة، وعامة مجابي السلطان، ويصيرونها فيها في الأعمال جليلها وحقيرها، ولا نقد لهم سواها، ولا مال إلا إياها، بدعة أحدثوها، وبلية ابتدأوها، لا أصل لها في سنة نبوية، ولا مستند لفعلها من طريقة شرعية، ولا شبهة لمبتدعها في الاقتداء بفعل أحد ممن غبر. إلى آخر كلامه، حيث أبرز ما حل بالبلاد من الدمار والاضمحلال بسبب التعامل بالفلوس.

وقال: إن النقود المعتبرة شرعًا وعقلاً وعادة، إنما هي الذهب والفضة فقط، وما عداهما لا يصح أن يكون نقدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>