للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الاستدلال فقسم لا يشهد له أصل من الأصول الثلاثة، وليس يدل لعينه دلالة أدلة العقول على مدلولاتها، فانتقاء الدليل على العمل بالاستدلال دليل انتفاء العمل به، وقال أيضًا: المعاني إذا حصرتها الأصول ضبطتها النصوص، كانت منحصرة في ضبط الشارع.

وإذا لم يكن يشترط استنادها إلى الأصول لم ينضبط واتسع الأمر ورجع الشرع إلى اتباع وجوه الرأي واقتنفاء حكمة الحكماء. فيصير ذوو الأحلام بمنزلة الأنبياء، إلى أن قال: ثم يختلف ذلك باختلاف الزمان والمكان وأصناف الخلق، وهو في الحقيقة خروج عما درج عليه الأولون (١) .

ولعل كلام القاضي، وإن كان إمام الحرمين اعترضه، إلا أنه ليس بعيدًا من تفكير الشافعية، فهم وإن كانوا يقولون بالثمنية أو غلبة الثمنية لعلة، إلا أنهم يقولون بأنها علة قاصرة، والعلة القاصرة عند من يقول بها هي التي لا تتعدى معلولها؛ لكونها محل الحكم أو جزء علة أو وصفًا لازمًا.

وقد ناقش علماء الأصول العلة القاصرة لإثبات وجودها، ثم بعد ذلك لتحديد وظيفتها وعلاقتها بهذه المسألة، ومن هؤلاء إمام الحرمين في البرهان (٢) .

مسألة: إذا استنبط القائس علة في محل النص، وكانت مقتصرة عليه منحصرة فيه لا تتعداه، فالعلة صحيحة عند الامام الشافعي رضي الله عنه.

ونفرض المسألة في تعليل الشافعي تحريم ربا الفضل في النقدين بالنقدية، وهي خاصة بالنقدين لا تتعداهما، وقد أطال النفس وناقش نفاة العلة القاصرة كالأحناف. وفي هذه المناقشة عرج على مسألة الفلوس أكثر من مرة، فقال: ولقد اضطرب أرباب الأصول عند هذا المنتهى، ونحن نذكر المختار من طرفهم، ونعترض على ما يتطرق الاعتراض إليه، ثم نص على ما نراه.

قال قائلون ممن لا يصحح العلة القاصرة: فائدة تعليل تحريم التفاضل في النقدين تحريم التفاضل في الفلوس إذا جرت نقودا، وهو خرق من قائله، وضبط على الفرع والأصل، فإن المذهب أن الربا لا يجري في الفلوس إن استعملت نقودا، فإن النقدية الشرعية مختصة بالمصنوعات من التبرين، والفلوس في حكم العروض، وإن غلب استعمالها، ثم إن صح المذهب قيل لصاحبه: إن كانت الفلوس داخلة تحت اسم الدراهم فالنص متناول لها، والطلبة بالفائدة قائمة، وإن لم يتناولها النص فالعلة متعدية إذًا، والمسألة مفروضة في العلة القاصرة.


(١) البرهان: ١١١٥ قطر.
(٢) البرهان: ١٠٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>