للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلام إمام الحرمين واضح في أن النقدية قاصرة على النقدين، وافتراضه الجدلي ظاهر في صعوبة منحاه، حيث يجعل النقدية وهي الثمنية علة، ثم يمنع طردها.

ثم قال بعد ذلك: فإن قيل: ما ذكرتموه تصريح باطل إلى التعليل بالنقدية قلنا: لم نر أحدًا ممن خاض في مسائل الربا على تحصيل فيما نورده. والصحيح عندنا أن مسائل الربا شبهية، ومن طلب فيها إخالة اجترأ على العرب، كما قررناه في مجموعاتنا.

ثم الشُّبَهُ على وجوه، فمنها التعلق بالمقصود، وقد بينا أن المقصود من الأشياء الأربعة الطعم، ومن النقدين النقدية، وهي مقتصرة لا محالة وليست علة، إذ لا شبهة فيها ولا إخالة فيها. . . إلى آخر كلامه.

وقال بعد ذلك في التعارض بين العلة القاصرة والمتعدية وما قررناه لا يجري في النقدين، فإن العلة التي عداها الخصم فيهما باطلة من وجوه سوى المعارضة.

وقال أيضًا فإن قيل: قد علل أبو حنيفة رحمه الله في باب النقدين بالوزن وهو متعد إلى كل موزون، وعلل الشافعي رحمه الله بكونهما جوهري النقدين. وهذا مقتصر على محل النص فما قولكم في ذلك؟

قلنا: الوزن علة باطلة عند الشافعية، والقول في التقديم والترجيح يتفرع على اتصاف كل واحدة من العلتين بما يقتضي صحتها لو انفردت (١) .

وقد أوضح النووي في المجموع مذهب الشافعي فقال: وأما الذهب والفضة فالعلة عند الشافعية فيهما كونهما جنس الأثمان غالبًا، وهذه عنده علة قاصرة عليهما؛ إذ لا توجد في غيرهما. وبعد ذلك يوضح المسألة فيقول: إذا راجت الفلوس رواج النقود لم يحرم الربا فيها، هذا هو الصحيح المنصوص وبه قطع المصنف والجمهور (٢) .

وقد أطال جلال الدين المحلي في شرحه لجمع الجوامع للسبكي حيث قال ممزوجا بالنص " والعلة القاصرة وهي التي لا تتعدى محل النص منعها قوم أن يعلل بها مطلقًا"، والحنفية منعوها إن لم تكن ثابتة بنص أو اجماع، قالوا جميعا: لعدم فائدتها، وحكاية القاضي أبي بكر الباقلاني الاتفاق على جواز الثابتة بالنص معترضة بحكاية القاضي عبد الوهاب.


(١) البرهان: ١٢٦٩.
(٢) المجموع مطبعة العاصمة: ٩/٤٤٤-٤٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>