كما أشار إلى ذلك المصنف بحكاية الخلاف.
والصحيح جوازها مطلقًا، وفائدتها معرفة المناسبة بين الحكم ومحله، فيكون أدعى للقبول ومنع الإلحاق بمحل معلولها، حيث يشتمل على وصف متعد لمعارضتها له ما لم يثبت استغلالها بالعلة، إلى أن قال: ومن صورها ما ضبطه بقوله: "ولا تعدي لها" أي العلة عند كونها محل الحكم، أو جزءه الخاص بأن لا يوجد في غيره، أو وصفه اللازم بأن لا يتصف به غيره لاستحالة التعدي حينئذ.
مثال الأول: تعليل حرمة الربا في الذهب بكونه ذهبًا، وفي الفضة كذلك.
ومثال الثاني: تعليل نقض الوضوء في الخارج من السبيلين بالخروج.
ومثال الثالث: تعليل حرمة الربا في النقدين بكونهما قيم الأشياء.
وبمراجعة كلام السبكي وشارحه جلال الدين يتضح أن الثمنية لا تعني التعدي، وأنها ثمنية تختص بمحل الحكم لكونها وصفه اللازم.
وقد نظم سيدي عبد الله الشنقيطي المالكي في "مراقي السعود" كلام السبكي فقال:
وَعَلَّلُوا بِمَا خَلَتْ مِنْ تَعْدِيَهْ
لِيُعْلَمَ امْتِنَاعُهُ وَالتَّقْوِيَهْ
مِنْهَا مَحَلُّ الْحُكْمِ أَوْ جُزْء وَزَدْ
وَصْفًا إِذَا كُلٌّ لُزُومِيًّا يَرِدْ
قال في شرحه "نشر البنود": يعنى أن المالكية والشافعية والحنابلة جوزوا التعليل بالعلة القاصرة، إلى أن قال: فتعدية العلة شرط في صحة القياس ااتفاقًا، والجمهور على أنها ليست شرطا في صحة التعليل بالوصف كتعليل طهورية الماء بالرقة والنظافة دون الإزالة. وتعليل الربا في النقدين بالنقدية أو بالثمنية أو بغلية الثمنية. . . إلى أن قال: يعني أن من صور العلل القاصرة أن تكون العلة محل الحكم أو جزءه الخاص به أو وصفه اللازم له، والمحل ما وضع اللفظ له كالخمرية، إلى أن قال: والمراد بالوصف اللازم هنا هو ما لا يتصف غير المحل به، كالنقدية في الذهب والفضة، أي كونهما أثمان الأشياء، فإنهما وصف لازم لهما في أكثر البلاد (١) .
ونلاحظ حرصهم على التمثيل للعلة القاصرة بالنقدية أو الثمنية أو غلبة الثمنية، أو كونهما قيمة للأشياء، كل هذا يدل على أن المعللين بالثمنية أو غلبتها ويقولون بقصور العلة، يرون أنها ثمنية من نوع خاص، وهذا كقول البهوتي الحنبلي في زكاة الذهب والفضة في كتابه"كشاف القناع": وهما الأثمان فلا تدخل فيها الفلوس ولو كانت رائجة.
إن النقدية الشرعية - كما سماها إمام الحرمين - تعني فيما يبدو كون النقدين أثمانًا بالخلقة، حين تعتبر ثمنية غيرها ثمنية عارضة.
ونرى أن علماء الفروع بنى كثير منهم على هذه النظرية فقال الشيخ زكريا الشافعي: إنما يحرم الربا في نقدين ذهب وفضة، ولو غير مضروبين كحلي تبر، بخلاف العروض، كفلوس وإن راجت.
وفي الدر المختار للشيخ محمد علاء الدين قوله: يحل بيع فلس بفلسين أو أكثر. وفي حاشية ابن عابدين جوازه عند أبي حنيفة، وأبي يوسف: ليست أثمان خلقة فهي كالعروض.
(١) المنجور: ٦٠.