للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثالثة

التغيرات التي تطرأ على العملات من غير الذهب والفضة من بطلان ونقصان أو رجحان، وأثرها في المعاملات:

١- إذا بطل التداول بعملة كانت رائجة في جميع البلدان، فهل لذلك تأثير على العقود التي وقعت بها؟

ومن كانت مترتبة في ذمته، فهل له أن يدفعها بعينها وإن كانت باطلة، أو عليه أن يدفع قيمتها؟

في ذلك مذاهب، ومذهب أبي حنيفة أن العقد يفسد ببطلان رواج الثمن، ويفسخ البيع ما دام ذلك ممكنا بوجود المبيع بحاله قبل قبضه، فيرده المشتري، وإن تلف رد مثله أو قيمته، وإن كانت قرضا أو مهرا مؤجلاً رد مثلها وإن كانت كاسدة؛ لأنها هي الثابتة في ذمته.

والمشهور عند الشافعية والمالكية أن ذلك لا يفسد العقد، وأن الذي ترتب في ذمة المدين وليس عليه الدائن سواه، ويعتبر ذلك كجائحة نزلت به، سواء كان الدين قرضا أو ثمن مبيع أوغير ذلك، وذهب بعض المالكية إلى أن الواجب على المدين السلعة يوم قبضها من العملة الرائجة.

ومن الجدير بالملاحظة أن الخلاف في المذهب المالكي، وإن كان الراجح فيه أن يدفع مثل الفلوس الباطلة، كما قال خليل في مختصره: "وإن بطلت فلوس فالمثل، أو عدمت فالقيمة"، فإنهم مع ذلك بنوا هذه المسألة على قاعدة يفهم منها اعتبار القول المقابل؛ لأنهم بنوا عليه لزوم القيمة إذا مطل المدين، وبناء القول الراجح على قول مرجوح يدل على أن له حظا من النظر، تلك القاعدة هي: إذا فقد المعنى المقصود مع وجود العين المحسوسة، هل يجعل الحكم تابعًا للمعنى فيقرر بعدمه عدم العين، أو لا يقدر كالعدم لوجود عينه؟

قال ميارة الفاسي في تكميل المنهج:

إِن فقدَ الْمعنَى الذي قَد قَصَدَا

مع بقاءِ العينِ فِي حسٍّ بَدَا

هلْ يجعلُ الحكمَ لمعنًى تَبعا

أو يتبعُ العين خلافٌ سُمِعَا

كَسِكةٍ فِي ذمةٍ ثم انقطعْ

بِهَا التعاملُ فَحقّقْ تتبعْ

لِلأولِ القيمةُ والثاني المثل

وشهرَ الثاني نعم به العمل

لكنه مقيدٌ بما إِذا

لم يحصلِ المطلُ فقلْ ياحبَّذَا

وإن يكن فأوجبنْ عليهِ ما

آلَ لهُ الأمرُ لظلمٍ قد سَمَا

قلتُ وهذا ظاهرٌ إِن كان ما

آلَ له الأمرُ رفيعًا فَاعْلَمَا

(١) .


(١) تكميل المنهج شرح الفقيه محمد الأمين بن أحمد زيدان الشنقيطي دار الكتاب المصري: ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>