وقد نص فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة على ذلك أيضا (نص المالكية على أنه يشترط لصحة بيع المعقود عليه ثمنا أو مثمنا عدم جهل منهما أو من أحدهما بمثمون- كبيع بزنة حجر، أو صنجة مجهول- أو ثمن كأن يقول: بعتك بما يظهر من السعر بين الناس اليوم- ولو تفضيلا، فإن جهل الثمن أو المثمن ضر، ولو كان الجهل في التفصيل وعلمت جملته..، قال الدسوقي: (فلا بد من كون الثمن والمثمن معلومين للبائع والمشتري، وإلا فسد البيع، وجهل أحدهما كجهلهما على المذهب، سواء علم العالم منهما بجهل الجاهل أو لا، وقيل: يخير الجاهل منهما إذا لم يعلم العالم بجهله، فإن علم بجهله فسد البيع، كجهلهما معا)(حاشية الدسوقي: ٣/ ١٥) . وقد نص الشافعية على أنه: لو باع بملئ ذات البيت حنطة، أو بزنة هذه الحصاة ذهبا، أو بما باع به فلان فرسه مثلا أي بمثل ذلك ولم يعلما أو أحدهما قبل العقد المقدار، أو بألف دراهم ودنانير، أو صحاح ومكسرة، لم يصح البيع للجهل بأصل المقدار في الثلاثة الأول، وبمقدار الذهب من الفضة، أو الصحاح والمكسرة في الرابعة، فإن علما قبل العقد مقدار البيت والحصاة وثمن الفرس، وقال فيه بمثل- كما مر- صح لانتفاء المحذور، وكذا إن قصده كما في المطلب، فإن لم يقل بمثل ولم يقصد صح أيضا، كما لو قال: أوصيت لفلان بنصيب ابني، فإنه يحمل على مثل نصيبه ... ومحل امتناع البيع بما ذكر إذا كان في الذمة، فإن كان الثمن معينا، كأن قال: بعتك بملء هذا البيت من هذه الحنطة؛ صح كما صرح به في المجموع والشرح الكبير في السلم، وعلله الرافعي بإمكان الأخذ قبل تلف البيت (مغنى المحتاج: ٢ / ١٦) .
ونص الحنابلة على أن يشترط أن يكون الثمن في البيع معلوما عند المتعاقدين؛ لأنه أحد العوضين فاشترط العلم به كالآخر (أي كالمبيع) وقياسا على رأس مال السلم. فإنه باعه السلعة برقمها (أي بثمنها المكتوب عليها) وهما لا يعلمانه، أو أحدهما (لا يعلمه) لم يصح البيع للجهالة فيه، وكذلك إن باعه بألف درهم ذهبا وفضة، لأنه مجهول ولأنه بيع غرر، فيدخل في عموم النهي عن بيع الغرر ... ، وإن باعه بما ينقطع السعر به، أو بما باع به فلان عبده، وهما لا يعلمانه، أو أحدهما (لا يعلمه) لم يصح؛ لأنه مجهول ... (الشرح الكبير: ٤ / ٣٣) .
وجاء في كشاف القناع: ٣ / ١٧٤: (وإن باعه السلعة برقمها أو بما باع به فلان ... أي بمثله، ولم يعلماه- أي الرقم أو ما باع به فلان، أو يعلمه أحدهما- لم يصح للجهالة ... أو باعه بما ينقطع به السعر، أي بما يقف عليه من غير زيادة لم يصح للجهالة، وكذا لو قال: كما يبيع الناس، أي بما يقف عليه من غير زيادة، لم يصح للجهالة (. ويراجع: الروض المربع: ٢ / ١٦٨) .