للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول

الضوابط الشرعية للعقود المستجدة

اجتماع العقود المتعددة في صفقة واحدة:

(١) إن من أبرز العقود المستجدة في العصر الحاضر الاتفاقات التي تتكون من عدة عقود مسماة اجتمعت في صفقة واحدة، كـ البيع والإجارة والهبة والقرض والشركة والجعالة والمضاربة ... إلخ، على سبيل الجمع أو التقابل (١) ، بحيث تعتبر موجبات تلك العقود، وجميع الحقوق والالتزامات المترتبة عليها جملة واحدة لا تقبل التفريق والتجزئة، بمثابة آثار العقد الواحد.

(٢) والأصل الفقهي عند جمهور أهل العلم في حكم الصفقة الواحدة التي تتضمن أكثر من عقد من العقود المسماة في الفقه الإسلامي الجواز والصحة، ما لم يكن هناك مانع شرعي خاص من اجتماعها، إذ الأصل بمقتضى دلائل نصوص الشريعة هو حرية التعاقد، ووجوب الوفاء بكل ما تراضى عليه المتعاقدان والتزما به (٢) .، وأن كل معاقدة تضمنت عقودا أو أمورا جائزة شرعا عند الانفراد، فإنها تكون كذلك عند الاجتماع، قياسا للمجموع على آحاده. (نَصَّ على ذلك الحنفية والشافعية والحنابلة في مواطن شتى من مدوناتهم الفقهية (انظر: بدائع الصنائع: ٦/ ٥٨؛تبيين الحقائق: ٤/ ١٧٦، إعلام الموقعين: ٣/ ٣٥٤؛ كشاف القناع: ٣/ ٤٧٨؛ البيان للعمراني: ٥/ ١٤٨؛ المبدع: ٥/ ٤٣) كما أن الحنفية ذهبوا إلى اغتفار فوات بعض شروط صحة العقود المجتمعة في صفقة واحدة، إذا ثبتت ضمنا لا قصدا، وجاءت تبعا لا أصالة، إذ الأصل (أن يغفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها) . وعلى ذلك قال الزيلعي في معرض رده على من تمسك بالقياس فمنع جواز شركة المفاوضة نظرا لتضمنها وكالة بمجهول الجنس وكفالة مع جهالة المكفول له، وكل منهما بانفراده فاسد للجهالة: (ولا يقال: الوكالة بالمجهول لا تجوز، فوجب ألا تجوز هذه الشركة لتضمنها الوكالة بمجهول الجنس!، كما إذا وكله بشراء ثوب ونحوه، لأنا نقول: التوكيل بالمجهول لا يصح قصدا، ويصح ضمنا، حتى صحت المضاربة مع الجهالة، لأنها توكيل بشراء شيء مجهول في ضمن عقد المضاربة، فكذا هذا. وأقرب منه شركة العنان، فإنها جائزة بالإجماع، وإن تضمنت ما ذكرنا من الجهالة في الوكالة، إذ لا بد من تضمن عقد الشركة الوكالة. ولا يقال: إن الكفالة لا تجوز إلا بقبول المكفول له في المجلس، فكيف جازت هنا مع جهالته؟ لأنا نقول ذلك في التكفيل مقصودا، وأما إذا دخل في ضمن شيء آخر، فلا يشترط على ما ذكرناه في اشتراط الوكالة مع الجهالة، أو نقول: جوزناه لتعامل الناس، وبمثله يترك القياس، كما في الاستصناع) ، (تبيين الحقائق: ٣/ ٣١٤) .

وقال ابن الهمام في هذا الشأن: (والمانع وهو الوكالة بمجهول والكفالة بمجهول يمنع إذا ثبت قصدا، ولا يلزم من منع الشيء إذا ثبت قصدا منعه إذا ثبت ضمنا) ، (فتح القدير: ٥/ ٣٨١) .

وقال الكاساني في معرض احتجاجه على جواز اشتمال شركتي العنان والمضاربة على الوكالة العامة، مع أن الوكالة العامة لا تصح من غير بيان في حال الانفراد: (الوكالة لا تثبت في هذا العقد مقصودا، بل ضمنا للشركة، وقد يثبت الشيء ضمنا، وإن كان لا يثبت قصدا، ويشترط للثابت مقصودا ما لا يشترط للثابت ضمنا وتبعا) (البدائع: ٦/ ٥٨) ؛ وانظر: حاشية الطحاوي على الدر: ٢/ ٥١٤) ما لم يكن هناك نص أو قياس صحيح يمنع من ذلك، فعندئذ يمتنع بخصوصه على خلاف القاعدة المطردة.


(١) (العقود المجموعة: مثل أن يقول له: بعتك هذه السيارة وأجرتك هذه الدار سنة بألف. أما المتقابلة: فنحو أن يقول له: بعتك سيارتي هذه بألف على أن تشتري مني السلعة الفلانية بخمسمائة، أو على أن تقرضني كذا، أو محلى أن تشاركني في كذا.)
(٢) (إعلام الموقعين: ١/ ٣٤٤، ٣٨٣؛جامع الرسائل، لابن تيمية: ٢/ ٣١٧؛ الموافقات: ١/ ٢٨٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>