فالربا ضد الاستثمار، وقد ساهم الربا بحظ وافر في تخلف المجتمعات الإسلامية النامية التي تلهث وراء سرابه، وهي أشد ما تكون لاستثمار وتنمية، فالمال يدور بين أصحابه متداولا بينهم، بضد قول الله تعالى:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ}[الحشر:٧] .
والربا ظلم عظيم لا يمحقه إلا استثمار عادل، ولا يزال الناس يظلم بعضهم بعضا، وكلما تقدمت بهم حضارة الربا زاد ظلمهم وانتشر، وتوسعت قاعدته واشرأبت رؤوس شياطينه.
ولا يزال الناس يرابون فوق رؤوس أموالهم غير تائبين بضد قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}[البقرة: ٢٧٩] ، فعين الظلم أن يأخذ الإنسان ما ليس له.
يقول الأمام ابن تيمية:(الربا ظلم للمحتاج؛ فإن الله لم يدع الأغنياء حتى أوجب عليهم إعطاء الفقراء؛ فإن مصلحة الغني والفقير لا تتم إلا بذلك، فإذا أربى معه فهو بمنزلة من له على رجل دين فمنعه وظلمه زيادة أخرى، والغريم محتاج إلى دينه فهذا من أشد أنواع الظلم) .
ويقول الأمام الرازي:(الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته، وله حرمة عظيمة، فوجب أن يكون أخذ المال من غير عوض محرما) .
والربا ضد الصدقة؛ إذ مبناه على الجشع، وهل من مزيد، فكلما زاد الجشع والمزيد، زاد الظلم وتضخم الرصيد، فلا (تكفي الفائدة التي لا يقابلها جهد ولا عمل، بل يركب عليها فائدة تلو الأخرى، حتى يفلس المدين ويودع السجن، وتضيع أسرته، فتكون القاصمة، فمجتمع الربا مجتمع التنافس في الشر والظلم فأنى لفقير صدقة، أو سد جَوْعَةٍ، أو أدنى رحمة وسط مجتمع الربا المستعر.