وما دام الربا ضد الصدقة فهو ضد استثمار النفس في الخير؛ إذ هو معصية وتدنيس، والصدقة طهرة ونظافة) وليس للمرابي للطهر سبيل، قال تعالى.: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة: ١٠٣] ، وقد نصر الله من زكى نفسه، وطهرها من الدنس، وذم من دنسها بمعصية الربا، فقال عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: ٩- ١٠] أي أخفاها بالمعصية.
من هنا كان الاستثمار، وأخص طرائقه المشاركة، محور الأعمال المصرفية الإسلامية الأخلاقية.
والاستثمار أمضى أسلحة حربنا للربا، نصرة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ينصر الله ينصره ويثبته، ويعلي شأنه، ويوسع عليه في الدنيا والآخرة. ذلك أن المشاركات مبناها التعاون على البر والتقوى في التجارة، فهي تنمية اقتصادية واجتماعية تلتقي مع التعاون على البر والتقوى في أعمال الخير والنصح والصلة والتآلف والتراحم أسريا واجتماعيا.
إن المشاركة في مفهوم الاقتصاد الإسلامي مسؤولية اجتماعية وأخلاقية وتربوية ثم هي تنموية في هذا كله، إلى جانب كونها مسؤولية مالية اقتصادية، تقوم على مبدأ (الغنم بالغرم) و (الخراج بالضمان) ، والنظام الربوي لا يتحمل المضاربون المغامرون فيه مسؤولية ولا يعنيهم الاستثمار وإعمار البلاد والتوسعة على أهلها في شيء، بل هذا مرجعه لمن أستلم المال يضعه في الحلال أو الحرام.
ولما كانت المشاركات من أهم سبل التنمية فقد تعددت في الفقه الإسلامي طرائقه تبعا لمحله، فقد تكون المشاركة في شركة الملك، أو شركة العقد بأنواعها، من شركة المفاوضة وشركة الأعمال، وشركة العنان وشركة المضاربة.
وإذا كانت المشاركة المتناقصة من قبيل التقاء المال والعمل، فهي مشاركة مشروعة في أصلها، ويبقى وصفها الشرعي المحدد تبعا لمفهومها وشروطها، وضوابطها، وتبعا لصورها وأنواعها، وكيفية تطبيقاتها، وهذا البحث معني بالكشف عن حكم الشرع في ذلك كله.