للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلاقة فيما بين أرباب الأموال:

والظاهر أن علاقة الشركة فيما بين أرباب الأموال هي شركة عقد على أساس العنان، فتنطبق عليهم أحكامها، ولكن يظهر مما قدمنا سابقًا من عبارة الإمام مالك وابن رشد رحمهما الله تعالى أن المالكية اعتبروا هذه العلاقة شركة ملك، لأنهم لم يشترطوا على المضارب إذا أخذ المال من رجلين أن يستأذنهما، وإنما جعلوا الاستئذان من المستحبات، حتى إن المضارب إن لم يستأذن بخلط مال رب المال بمال رجل آخر، لم يجعلوه ضامنًا، وهذا يدل على أن الشركة بين صاحبي المال شركة اضطرارية، ولا تحدث مثل هذه الشركة إلا في شركة الملك، فكل ما يحصل من ربح على هذا المال المشترك المخلوط يقسم ـ بعد أداء حصة المضارب ـ على قدر ملك كل واحد منهما في الخلطة، فلا يجوز انقسام الربح فيما بين أرباب الأموال إلا بنسبة مساهماتهم في الوعاء، ولا تجوز التفاوت في النسب.

أما إذا اعتبرنا الشركة فيما بين أرباب الأموال شركة عقد، فيجوز فيها تفاوت نسب الأرباح عند الحنفية والحنابلة، قال ابن قدامة في المغني:

(وأما شركة العنان، وهو أن يشترك بدنان بماليهما، فيجوز أن يجعلا الربح على قدر المالين، ويجوز أن يتساويا مع تفاضلهما في المال، وأن يتفاضلا فيه مع تساويهما في المال وبهذا قال أبو حنيفة. وقال مالك، والشافعي: من شرط صحتها كون الربح والخسران على قدر المالين

) (١)

وقال العلامة الكاساني رحمه الله تعالى:

(وإن كان المالان متساويين فشرطا لأحدهما فضلًا على ربح، ينظر إن شرطا العمل عليهما جميعًا جاز، والربح بينهما على الشرط في قوله أصحابنا الثلاثة. . . وإن شرطا العمل على أحدهما، فإن شرطاه على الذي شرطا له فضل الربح جاز والربح بينهما على الشرط. . .، وإن شرطاه على أقلهما ربحًا لم يجز) . (٢) .

وهذا إذا كان الشريكان يمارسان التجارة بنفسيهما، أما إذا كان المقصود من الشركة أن يعطيا المال إلى آخر مضاربة، كما هو المفروض في مسألتنا، فإن إعطاء المال إلى المضارب وتعاملهما معه هو العمل الذي يباشره الشريكان للشركة، فليس هو من الشركة التي اشترط فيها العمل على أحد الشريكين، فجاز التفاوت في نسب الأرباح على الشرط الذي شرطه الحنفية في عبارة الكاساني رحمه الله. وصار كما اتفق الشريكان على أن يستأجرا رجلًا يمارس التجارة لهما كأجير، فعمل الشريكين هو الاستئجار والتعامل مع الأجير.

وتبين بهذا أنه يجوز على مذهب الحنفية والحنابلة أن تتفاوت نسب الأرباح المستحقة لأرباب الأموال في المضاربة المشتركة، وعلى هذا يجوز ما تعارفه البنوك من إعطاء أوزان (weightage) مختلفة لأنواع مختلفة من الودائع.


(١) المغني لابن قدامة: ٥/ ١٤٠، دار الكتب العلمية، بيروت.
(٢) بدائع الصنائع، للكاساني: ٥/٦٢-٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>