للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القياس على بيع العبد الذي له مال المطبق فيه مبدأ التبعية:

الأصل أن العبد إذا باعه سيده أو أعتقه وكان له مال فماله للسيد (البائع أو المعتق) ، وهو ما ذهب إليه الجمهور (الشافعي وأحمد وفقهاء الكوفة) ، وهو قول مالك والليث أيضًا في البيع لا في العتق، وهذا كله إذا لم يشترطه المشتري، فإذا اشترط المشتري لنفسه مال العبد تكون الصفقة عبارة عن عبد ونقود في مقابل نقود.

واستدلوا بحديث ابن عمر الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد وأصحاب السنن: ((من باع عبدًا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع)) (١) .

والمسألة مبنية على كون العبد يملك، وهو يتصور في العبد المأذون أيضًا. قال مالك في الموطأ: الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع (المشتري) إذا اشترط مال العبد فهو له، نقدًا أو عرضًا أو دينًا

، قال ابن رشد الحفيد: ويجوز عند مالك أن يشتري العبد وماله بدراهم وإن كان مالك العبد دراهم، أو فيه دراهم، وخالف في ذلك الشافعي، واستدل مالك بإطلاق الحديث (٢)

قال ابن حجر: وكأن العقد إنما وقع على العبد خاصة، والمال الذي معه لا مدخل له في العقد (٣) .

وقال ابن قدامة ـ بعد تقريره المسألة ودليلها والقائلين بها على نحو ما سبق عن المالكية ـ: وقال الخرقي: إذا كان قصده للعبد لا للمال. . . ومعناه: أنه لا يقصد بالبيع شراء مال العبد، إنما يقصد بقاء المال لعبده وإقراره في يده، فمتى كان كذلك صح اشتراطه ودخل في البيع به، سواء كان المال معلومًا أو مجهولًا، من جنس الثمن أو غيره، عينًا كان أو دينًا، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر، وذلك لأنه دخل في البيع تبعًا غير مقصود.

وقال القاضي: هذا ينبني على كون العبد يملك أو لا يملك، فإن قلنا: لا يملك؛ فاشترط المشتري ماله صار مبيعًا معه فيشترط فيه ما يشترط في سائر المبيعات، وهذا مذهب أبي حنيفة. وإن قلنا: يملك؛ احتملت فيه الجهالة وغيرها مما ذكرنا من قبل، لأنه تبع في البيع لا أصل، واحتملت الجهالة منه لكونه غير مقصود (٤) ، وقد صحح ابن قدامة أن العبد يملك إن ملكه سيده، وهي إحدى الروايتين في المذهب.

هذا، وإن التمسك بالإطلاق ـ كما أشار المالكية ـ يقتضي جواز البيع بالرغم من عدم التماثل بين النقد الذي مع العبد والنقد المدفوع ثمنًا للعبد، إذ لم يشترط الحديث أن تكون النقود التي مع العبد أقل من قيمة العبد لمراعاة مبدأ الغلبة، كما أن الحديث لم يشترط التقابض، فدل على جواز هذا البيع بثمن مؤجل.


(١) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، وفي رواية: (من ابتاع.) فتح الباري للحافظ ابن حجر: ٥/ ٣٢.
(٢) بداية المجتهد، لابن رشد: ٢/ ١٩٠.
(٣) فتح الباري: ٥/ ٣٤.
(٤) المغني: لابن قدامة: ٤/ ١٥٤ ـ ١٥٥، وقد تعقب ابن قدامة قول الشافعي بأنه خلاف نص أحمد والخرقي في أن العبرة بقصد المشتري.

<<  <  ج: ص:  >  >>